فصل: كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ***


كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ

المتن‏:‏

هُمَا سُنَّةٌ‏:‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ‏.‏ كِتَابُ الْمُسَابَقَةِ عَلَى الْخَيْلِ وَنَحْوِهَا، مِنْ السَّبْقِ بِالسُّكُونِ مَصْدَرُ سَبَقَ أَيْ تَقَدَّمَ، وَبِالتَّحْرِيكِ الْمَالُ الْمَوْضُوعُ بَيْنَ أَهْلِ السِّبَاقِ ‏(‏وَالْمُنَاضَلَةِ‏)‏ عَلَى السِّهَامِ وَنَحْوِهَا، وَهُوَ بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمُرَامَاةُ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمُغَالَبَةِ، يُقَالُ نَاضَلْته فَنَضَلْته كَغَالَبْتُه فَغَلَبْته وَوَزْنًا وَمَعْنًى وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ النِّضَالُ فِي الرَّمْيِ، وَالرِّهَانُ فِي الْخَيْلِ، وَالسِّبَاقُ يَكُونُ فِي الْخَيْلِ وَالرَّمْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى ‏{‏إنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ‏}‏‏.‏ قِيلَ مَعْنَاهُ نَنْتَضِلُ بِالسِّهَامِ، فَعَلَى هَذَا، التَّرْجَمَةُ بِالْمُسَابِقَةِ كَافٍ لِشُمُولِ الْأَمْرَيْنِ، وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي التَّنْبِيهِ، وَهَذَا الْبَابُ لَمْ يَسْبِقْ الشَّافِعِيَّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَحَدٌ إلَى تَصْنِيفِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُزَنِيّ ‏(‏هُمَا‏)‏ أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا لِلرِّجَالِ الْمُسْلِمِينَ غَيْرِ ذَوِي الْأَعْذَارِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ فِي الْأَعْرَجِ يَقْصِدُ التَّأَهُّبَ لِلْجِهَادِ ‏(‏سُنَّةٌ‏)‏ أَيْ مَسْنُونٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى ‏{‏وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ‏}‏ وَفَسَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُوَّةَ بِالرَّمْيِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَلِخَبَرِ الْبُخَارِيِّ ‏{‏خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَنْتَضِلُونَ فَقَالَ ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا‏}‏‏.‏ وَلِخَبَرِ أَنَسٍ ‏{‏كَانَتْ الْعَضْبَاءُ نَاقَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَبَقَهَا فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا إلَّا وَضَعَهُ‏}‏،‏.‏ وَلِخَبَرِ التِّرْمِذِيِّ، وَحَسَّنَهُ، وَابْنِ حِبَّانَ، وَصَحَّحَهُ ‏{‏لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ أَوْ نَصْلٍ‏}‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَا فَرْضَ كِفَايَةٍ، لِأَنَّهُمَا مِنْ وَسَائِلِ الْجِهَادِ، وَمَا لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَاجِبِ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَالْأَمْرُ بِالْمُسَابَقَةِ يَقْتَضِيهِ، قَالَ وَقَضِيَّةُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ تَسَاوِيهِمَا فِي مُطْلَقِ السُّنَّةِ وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْمُنَاضَلَةُ آكَدَ، فَفِي السُّنَنِ مَرْفُوعًا ‏{‏ارْمُوا وَارْكَبُوا وَأَنْ تَرْمُوا خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَرْكَبُوا‏}‏، وَالْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ السَّهْمَ يَنْفَعُ فِي السِّعَةِ وَالضِّيقِ كَمَوَاضِعِ الْحِصَارِ بِخِلَافِ الْفَرَسِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ فِي الضِّيقِ، بَلْ قَدْ يَضُرُّ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ تَرْكُهُ كَرَاهَةً شَدِيدَةً فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ‏{‏مَنْ عَلِمَ الرَّمْيَ ثُمَّ تَرَكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا، أَوْ قَدْ عَصَى‏}‏ فَإِنْ قَصَدَ بِذَلِكَ غَيْرَ الْجِهَادِ فَهُوَ مُبَاحٌ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ فَإِنْ قَصَدَ بِهِمَا مُحَرَّمًا كَقَطْعِ الطَّرِيقِ حَرُمَا، أَمَّا النِّسَاءُ فَصَرَّحَ الصَّيْمَرِيُّ بِمَنْعِ ذَلِكَ لَهُنَّ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَغَيْرُهُ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِعِوَضٍ لَا مُطْلَقًا، فَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ ‏{‏أَنَّ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - سَابَقَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏}‏‏.‏

المتن‏:‏

وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَحِلُّ أَخْذُ عِوَضٍ عَلَيْهِمَا‏)‏ بِالْوَجْهِ الْآتِي؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْغِيبًا لِلِاسْتِعْدَادِ لِلْجِهَادِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ الرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ فِي خَبَرِ التِّرْمِذِيِّ الْمَارِّ، وَهُوَ لَا سَبَقَ إلَخْ بِفَتْحِ الْبَاءِ، وَهُوَ الْمَالُ الَّذِي يَأْخُذُهُ السَّابِقُ‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ، وَكَذَا مَزَارِيقَ وَرِمَاحٍ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ وَمَنْجَنِيقٍ، وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصِحُّ الْمُنَاضَلَةُ عَلَى سِهَامٍ‏)‏ عَرَبِيَّةٍ، وَهِيَ النُّبَلُ وَعَجَمِيَّةٍ، وَهِيَ النُّشَّابُ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ السَّابِقِ فِي قَوْلِهِ أَوْ نَصْلٍ ‏(‏وَكَذَا مَزَارِيقَ‏)‏ جَمْعُ مِزْرَاقٍ، وَهُوَ رُمْحٌ صَغِيرٌ ‏(‏وَرِمَاحٍ‏)‏ هُوَ مِنْ عَطْفِ الْعَامِّ عَلَى الْخَاصِّ ‏(‏وَرَمْيٍ‏)‏ بِالْجَرِّ بِخَطِّهِ ‏(‏بِأَحْجَارٍ‏)‏ بِمِقْلَاعٍ أَوْ يَدٍ ‏(‏وَمَنْجَنِيقٍ‏)‏ أَيْ الرَّمْيِ بِهِ، وَهُوَ مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ عَكْسُ الْمُتَقَدِّمِ ‏(‏وَكُلِّ نَافِعٍ فِي الْحَرْبِ‏)‏ غَيْرِ مَا ذُكِرَ مِمَّا يُشْبِهُهُ كَالرَّمْيِ بِالْمِسَلَّاتِ وَالْإِبَرِ، وَالتَّرَدُّدِ بِالسُّيُوفِ وَالرِّمَاحِ ‏(‏عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ امْتِنَاعُ ذَلِكَ فِي الْإِبْرَةِ، وَجَوَازُهُ فِي الْمِسَلَّةِ إذَا كَانَ يَحْصُلُ بِرَمْيِهَا النِّكَايَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ السَّهْمِ ا هـ‏.‏

وَمُقَابِلُ الْمَذْهَبِ عَدَمُ الصِّحَّةِ فِيمَا ذُكِرَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ آلَةِ الْحَرْبِ وَوَرَدَ وَقُطِعَ بِالْأَوَّلِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ وَرَمْيٍ بِأَحْجَارٍ الْمُدَاحَاةِ بِأَنْ يَرْمِيَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْحَجَرَ إلَى صَاحِبِهِ فَبَاطِلَةٌ قَطْعًا وَإِشَالَةُ الْحَجَرِ بِالْيَدِ، وَيُسَمَّى الْعِلَاجَ، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الْعَقْدِ عَلَيْهِ وَأَمَّا النَّقَافُ فَلَا نَقْلَ فِيهِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَالْأَشْبَهُ جَوَازُهُ؛ لِأَنَّهُ يَنْفَعُ فِي حَالِ الْمُسَابَقَةِ، وَقَدْ يُمْنَعُ خَشْيَةَ الضَّرَرِ؛ إذْ كُلٌّ يَحْرِصُ عَلَى إصَابَةِ صَاحِبِهِ كَاللِّكَامِ،‏.‏

المتن‏:‏

لَا عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ وَبُنْدُقٍ وَسِبَاحَةٍ وَشِطْرَنْجٍ وَخَاتَمٍ، وَوُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ، وَمَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ، وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَى خَيْلٍ، وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ فِي الْأَظْهَرِ، لَا طَيْرٌ وَصِرَاعٌ فِي الْأَصَحِّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا، لَازِمٌ لَا جَائِزٌ فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا فَسْخُهُ، وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ وَبَعْدَهُ، وَلَا زِيَادَةٌ وَنَقْصٌ فِيهِ، وَلَا فِي مَالٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَ ‏(‏لَا‏)‏ تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ بِعِوَضٍ ‏(‏عَلَى كُرَةِ صَوْلَجَانٍ‏)‏ وَالْكُرَةُ بِضَمِّ الْكَافِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ، وَتُجْمَعُ عَلَى كُرَيْنِ وَهَاؤُهَا عِوَضٌ عَنْ وَاوٍ جِسْمٌ مُحِيطٌ بِهِ سَطْحٌ فِي دَاخِلِهِ نُقْطَةٌ، وَالصَّوْلَجَانُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ وَلَامٍ مَفْتُوحَتَيْنِ عَصًا مَحْنِيَّةُ الرَّأْسِ، هُوَ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ؛ لِأَنَّ الصَّادَ وَالْجِيمَ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ وَتُجْمَعُ عَلَى صَوَالِجَةَ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏بُنْدُقٍ‏)‏ يُرْمَى بِهِ إلَى حُفْرَةٍ وَنَحْوِهَا ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏سِبَاحَةٍ‏)‏ فِي الْمَاءِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏شِطْرَنْجٍ‏)‏ بِكَسْرِ وَفَتْحِ أَوَّلِهِ الْمُعْجَمِ وَالْمُهْمَلِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏خَاتَمٍ‏)‏ بِكَسْرِ التَّاءِ وَفَتْحِهَا، وَيُقَالُ أَيْضًا خَيْتَامٌ وَخَاتَامٌ ‏(‏وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏وُقُوفٍ عَلَى رِجْلٍ، وَ‏)‏ لَا عَلَى ‏(‏مَعْرِفَةِ مَا فِي يَدِهِ‏)‏ مِنْ شَفْعٍ وَوَتْرٍ، وَكَذَا سَائِرُ أَنْوَاعِ اللَّعِبِ كَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْأَقْدَامِ وَبِالسُّفُنِ وَالزَّوَارِقِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ لَا تَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ هَذَا إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ، وَإِلَّا فَمُبَاحٌ، وَأَمَّا الرَّمْيُ بِالْبُنْدُقِ عَلَى قَوْمٍ فَظَاهِرُ كَلَامِ الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَنَّهُ كَذَلِكَ، لَكِنَّ الْمَنْقُولَ فِي الْحَاوِي الْجَوَازُ قَالَ الزَّرْكَشِيُّ وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ قَالَ وَهُوَ أَقْرَبُ ‏(‏وَتَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ‏)‏ بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏عَلَى خَيْلٍ‏)‏ لِلْحَدِيثِ الْمَارِّ ‏{‏لَا سَبَقَ إلَّا فِي خُفٍّ أَوْ حَافِرٍ‏}‏‏.‏ تَنْبِيهٌ سَكَتَ كَالْمُحَرَّرِ عَنْ الْإِبِلِ، وَهِيَ كَالْخَيْلِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَالْعَرَبُ تُقَاتِلُ عَلَيْهَا أَشَدَّ الْقِتَالِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَعَجَبٌ سُكُوتُهُمَا عَنْهَا مَعَ قَوْلِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ، وَفِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ عَنْ الدَّارِمِيِّ وَجْهَانِ فِي اخْتِصَاصِ الْخَيْلِ بِمَا يُسْهَمُ لَهُ، وَهُوَ الْجَذْعُ أَوْ الثَّنِيُّ أَوْ يَطَّرِدُ فِي الصَّغِيرِ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ الْأَرْجَحُ عِنْدَنَا جَوَازُهَا عَلَى مَا يُعْتَادُ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا قَالَ أَمَّا غَيْرُهَا فَالْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا لَا تُظْهِرُ فَرُوسِيَّةً، وَلَا يَجُوزُ أَخْذُ السَّبَقِ عَلَيْهَا ‏(‏وَكَذَا فِيلٌ وَبَغْلٌ وَحِمَارٌ‏)‏ تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ وَغَيْرِهِ ‏(‏فِي الْأَظْهَرِ‏)‏ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ الْمَارِّ قَالَ الْإِمَامُ وَيُؤَيِّدُهُ الْعُدُولُ عَنْ ذِكْرِ الْفَرَسِ وَالْبَعِيرِ إلَى الْخُفِّ وَالْحَافِرِ، وَلَا فَائِدَةَ فِيهِ غَيْرُ قَصْدِ التَّعْمِيمِ وَالثَّانِي قَصْرُ الْحَدِيثِ عَلَى الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ؛ لِأَنَّهَا الْمُقَاتَلُ عَلَيْهَا غَالِبًا أَمَّا بِغَيْرِهِ فَيَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ عَلَى الْكِلَابِ، وَمُهَارَشَةِ الدِّيَكَةِ، وَمُنَاطَحَةِ الْكِبَاشِ بِلَا خِلَافٍ لَا بِعِوَضٍ وَلَا غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ سَفَهٌ، وَمَنْ فِعْلِ قَوْمِ لُوطٍ الَّذِينَ أَهْلَكَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ، وَ ‏(‏لَا‏)‏ عَلَى ‏(‏طَيْرٍ‏)‏ جَمْعُ طَائِرٍ كَرَاكِبٍ وَرَكْبٍ ‏(‏وَصِرَاعٍ‏)‏ قَالَ ابْنُ قَاسِمٍ بِكَسْرِ الصَّادِ، وَوَهِمَ مَنْ ضَمَّهَا، فَلَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ عَلَيْهَا بِعِوَضٍ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ آلَاتِ الْقِتَالِ وَالثَّانِي تَجُوزُ أَمَّا الطَّيْرُ فَلِلْحَاجَةِ إلَيْهَا فِي الْحَرْبِ لِإِنْهَاءِ الْأَخْبَارِ، وَأَمَّا الصِّرَاعُ ‏{‏فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَارَعَ رُكَانَةَ عَلَى شِيَاهٍ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مَرَاسِيلِهِ‏.‏ وَأَجَابَ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الطَّيْرِ تَافِهَةٌ فَلَا تُقَابَلُ بِعِوَضٍ أَوْ بِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ مُصَارَعَةِ رُكَانَةَ أَنْ يُرِيَهُ شِدَّتَهُ لِيُسْلِمَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمَّا صَرَعَهُ فَأَسْلَمَ رَدَّ عَلَيْهِ غَنَمَهُ؛ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِلَا عِوَضٍ جَازَ جَزْمًا، وَكَذَا كُلُّ مَا لَا يَنْفَعُ فِي الْحَرْبِ كَالشِّبَاكِ وَالْمُسَابَقَةِ عَلَى الْبَقَرِ فَتَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ، وَأَمَّا الْغَطْسُ فِي الْمَاءِ، فَإِنْ جَرَتْ الْعَادَةُ بِالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي الْحَرْبِ فَكَالسِّبَاحَةِ فَيَجُوزُ بِلَا عِوَضٍ، وَإِلَّا فَلَا يَجُوزُ مُطْلَقًا ‏(‏وَالْأَظْهَرُ أَنَّ عَقْدَهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُسَابَقَةِ وَالْمُنَاضَلَةِ ‏(‏لَازِمٌ‏)‏ أَيْ لِمَنْ الْتَزَمَ الْعِوَضَ، أَمَّا مَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ شَيْئًا فَجَائِزٌ فِي حَقِّهِ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَقْدُ لَازِمًا مِنْ جَانِبٍ وَجَائِزًا مِنْ جَانِبٍ كَالرَّهْنِ وَالْكِتَابَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ ‏(‏لَا جَائِزٌ‏)‏ لِيُصَرِّحَ بِمُقَابِلِ الْأَظْهَرِ الْقَائِلِ بِأَنَّهُ كَعَقْدِ الْجَعَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ مَبْذُولٌ فِي مُقَابَلَةِ مَا لَا يُوثَقُ بِهِ كَرَدِّ الْآبِقِ‏.‏ تَنْبِيهٌ مَحِلُّ الْخِلَافِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ بِعِوَضٍ مِنْهُمَا بِمُحَلِّلٍ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِمَا كَمَا سَيَأْتِي وَإِلَّا فَجَائِزٌ قَطْعًا، وَقِيلَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ وَزَيْفٌ ا هـ‏.‏

وَيُؤْخَذُ مِنْ التَّعْبِيرِ بِالْعَقْدِ اعْتِبَارُ الْإِيجَازِ وَالْقَبُولِ لَفْظًا، وَعَلَى لُزُومِهِ ‏(‏فَلَيْسَ لِأَحَدِهِمَا‏)‏ إذَا الْتَزَمَا الْمَالَ، وَبَيْنَهُمَا مُحَلِّلٌ ‏(‏فَسْخُهُ‏)‏ لِأَنَّ هَذَا شَأْنُ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ نَعَمْ إنْ بَانَ بِالْعِوَضِ الْمُعَيَّنِ عَيْبٌ ثَبَتَ حَقُّ الْفَسْخِ كَمَا فِي الْأُجْرَةِ ‏(‏وَلَا تَرْكُ الْعَمَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ‏)‏ فِيهِ ‏(‏وَ‏)‏ لَا ‏(‏بَعْدَهُ‏)‏ فَاضِلًا كَانَ أَوْ مَفْضُولًا كَمَا يُشْعِرُ بِهِ إطْلَاقُهُ، لَكِنَّ مَحِلَّهُ فِي الْفَاضِلِ إذَا أَمْكَنَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْآخَرُ وَيَسْبِقَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ ثَمَرَةُ اللُّزُومِ، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُدْرِكَهُ وَيَسْبِقَهُ فَلَهُ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ حَقَّ نَفْسِهِ ‏(‏وَلَا زِيَادَةٌ وَ‏)‏ لَا ‏(‏نَقْصٌ فِيهِ‏)‏ أَيْ الْعَمَلِ ‏(‏وَلَا فِي مَالٍ‏)‏ مُلْتَزَمٍ بِالْعَقْدِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَا الْعَقْدَ الْأَوَّلَ وَيَسْتَأْنِفَا عَقْدًا جَدِيدًا إنْ وَافَقَهُمَا الْمُحَلِّلُ، وَعَلَى الْجَوَازِ يَجُوزُ جَمِيعُ ذَلِكَ أَمَّا إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ فَلِغَيْرِهِ الْفَسْخُ بِلَا عَيْبٍ كَالْمُحَلِّلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ عِلْمُ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، وَتَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا، وَتَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ وَيَتَعَيَّنَانِ، وَإِمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَشَرْطُ الْمُسَابَقَةِ‏)‏ أَيْ شُرُوطُهَا بَيْنَ اثْنَيْنِ مَثَلًا عَشَرَةٌ أَوَّلُهَا أَنْ يَكُونَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ عُدَّةً لِلْقِتَالِ كَمَا مَرَّ‏.‏ ثَانِيهَا ‏(‏عِلْمُ الْمَوْقِفِ‏)‏ الَّذِي يَبْتَدِئَانِ الْجَرْيَ مِنْهُ ‏(‏وَ‏)‏ عِلْمُ ‏(‏الْغَايَةِ‏)‏ الَّتِي يَجْرِيَانِ إلَيْهَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

دَخَلَ فِي إطْلَاقِهِ الْغَايَةَ صُورَتَانِ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ إمَّا بِتَعْيِينِ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ، وَإِمَّا مَسَافَةٍ يَتَّفِقَانِ عَلَيْهَا مَذْرُوعَةٍ أَوْ مَشْهُورَةٍ، الثَّانِيَةُ أَنْ يُعَيِّنَا الِابْتِدَاءَ وَالِانْتِهَاءَ، وَيَقُولَا إنْ اتَّفَقَ السَّبْقُ عِنْدَهَا فَذَاكَ، وَإِلَّا فَغَايَتُنَا مَوْضِعُ كَذَا فَيَجُوزُ، فَإِنْ لَمْ يُعَيِّنَا غَايَةً وَشَرَطَا الْمَالُ لِمَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا لَمْ يَجُزْ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ ‏(‏وَ‏)‏ ثَانِيهمَا ‏(‏تَسَاوِيهِمَا فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْمَوْقِفِ وَالْغَايَةِ، فَلَوْ شُرِطَ تَقَدُّمُ مَوْقِفِ أَحَدِهِمَا أَوْ تَقَدُّمُ غَايَتِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مَعْرِفَةُ فَرُوسِيَّةِ الْفَارِسَيْنِ وَجَوْدَةُ جَرْيِ الدَّابَّةِ، وَهُوَ لَا يُعْرَفُ مَعَ تَفَاوُتِ الْمَسَافَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ السَّبْقُ لِقُرْبِ الْمَسَافَةِ لَا لِحِذْقِ الْفَارِسِ وَلَا لِفَرَاهَةِ الدَّابَّةِ ‏(‏وَ‏)‏ ثَالِثُهَا ‏(‏تَعْيِينُ الْفَرَسَيْنِ‏)‏ مَثَلًا لِأَنَّ الْغَرَضَ مَعْرِفَةُ سَيْرِهِمَا، وَهِيَ تَقْتَضِي التَّعْيِينَ، وَيَكْفِي وَصْفُهُمَا فِي الذِّمَّةِ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ؛ لِأَنَّ الْوَصْفَ يَقُومُ مَقَامَ التَّعْيِينِ كَمَا فِي السَّلَمِ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنَّ الْوَصْفَ لَا يَكْفِي وَصَحَّحَهُ الْغَزَالِيُّ وَقَالَ الْأَذْرَعِيُّ إنَّهُ الصَّحِيحُ ‏(‏وَيَتَعَيَّنَانِ‏)‏ بِالتَّعَيُّنِ، فَلَا يَجُوزُ إبْدَالُهُمَا وَلَا أَحَدِهِمَا لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ، فَإِنْ وَقَعَ هَلَاكٌ انْفَسَخَ الْعَقْدُ، فَإِنْ وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي الذِّمَّةِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَمَا بَحَثَهُ الرَّافِعِيُّ فَلَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ الْمَوْصُوفِ كَالْأَجِيرِ غَيْرِ الْمُعَيَّنِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

فِي مَعْنَى الْمَوْتِ ذَهَابُ الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ الْعَمَى ‏(‏وَ‏)‏ رَابِعُهَا ‏(‏إمْكَانُ سَبْقِ كُلِّ وَاحِدٍ‏)‏ مِنْ الْفَرَسَيْنِ، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ضَعِيفًا يُقْطَعُ بِتَخَلُّفِهِ، أَوْ فَارِهًا يُقْطَعُ بِتَقَدُّمِهِ لَمْ يَجُزْ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مُرَادُهُ بِالْإِمْكَانِ الْغَالِبُ، فَإِنْ أَمْكَنَ نَادِرًا لَمْ يَصِحَّ فِي الْأَصَحِّ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْمُسَابَقَةُ بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَلَا بَيْنَ الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَأَمَّا بَيْنَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَيَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ لِتَقَارُبِهِمَا، وَلَا يَضُرُّ اخْتِلَافُهُمَا فِي النَّوْعِ كَعَتِيقٍ وَهَجِينٍ مِنْ الْخَيْلِ، وَنَجِيبٍ وَبُخْتِيٍّ مِنْ الْإِبِلِ، وَخَامِسُهَا أَنْ يَرْكَبَا الْمَرْكُوبَيْنِ وَلَا يُرْسِلَاهُمَا، فَلَوْ شَرَطَا إرْسَالَهُمَا لِيَجْرِيَا بِأَنْفُسِهِمَا لَمْ يَصِحَّ؛ لِأَنَّهُمَا يَنْفِرَانِ بِهِ وَلَا يَقْصِدَانِ الْغَايَةَ بِخِلَافِ الطُّيُورِ إذَا جَوَّزْنَا الْمُسَابَقَةَ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ لَهَا هِدَايَةً إلَى قَصْدِ الْغَايَةِ، وَسَادِسُهَا أَنْ يَقْطَعَ الْمَرْكُوبَانِ الْمَسَافَةَ، فَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُمَا بِحَيْثُ يُمْكِنُهُمَا قَطْعُهَا بِلَا انْقِطَاعٍ وَتَعَبٍ، وَإِلَّا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ، وَسَابِعُهَا تَعَيُّنُ الرَّاكِبَيْنِ، فَلَوْ شَرَطَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنْ يُرْكِبَ دَابَّتَهُ مَنْ شَاءَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يَتَعَيَّنَ الرَّاكِبَانِ قَالَهُ الصَّيْمَرِيُّ، وَلَا يَكْفِي الْوَصْفُ فِي الرَّاكِبِ كَمَا بَحَثَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَثَامِنُهَا الْمَالُ كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏وَالْعِلْمُ بِالْمَالِ الْمَشْرُوطِ‏)‏ جِنْسًا وَقَدْرًا وَصِفَةً كَسَائِرِ الْأَعْوَاضِ عَيْنًا كَانَ أَوْ دَيْنًا حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلًا أَوْ بَعْضُهُ كَذَا وَبَعْضُهُ كَذَا، فَإِنْ كَانَ مُعَيَّنًا كَفَتْ رُؤْيَتُهُ عَلَى الْأَصَحِّ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ، فَلَا يَصِحُّ عَقْدٌ بِغَيْرِ مَالٍ كَكَلْبٍ، وَلَا مَالٌ مَجْهُولٌ كَثَوْبٍ غَيْرِ مَوْصُوفٍ، فَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مَالٌ فِي ذِمَّتِهِ وَجَعَلَاهُ عِوَضًا جَازَ بِنَاءً عَلَى جَوَازِ الِاعْتِيَاضِ عَنْهُ، وَهُوَ الرَّاجِحُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ‏:‏ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ‏)‏ أَيْ إخْرَاجُهُ فِي الْمُسَابَقَةِ ‏(‏مِنْ غَيْرِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ ‏(‏بِأَنْ يَقُولَ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ‏)‏ وَأَخْصَرُ وَأَشْمَلُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَجْنَبِيٌّ ‏(‏مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ‏)‏ كَذَا هَذَا مَقُولُ الْإِمَامِ، وَيَكُونُ مَا يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ مِنْ سَهْمِ الْمَصَالِحِ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ ‏(‏أَوْ‏)‏ مَنْ سَبَقَ مِنْكُمَا ‏(‏فَلَهُ عَلَيَّ كَذَا‏)‏ هَذَا مَقُولُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ فَهُوَ مِنْ بَابِ اللَّفِّ وَالنَّشْرِ الْمُرَتَّبِ، وَإِنَّمَا صَحَّ هَذَا الشَّرْطُ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّحْرِيضِ عَلَى تَعَلُّمِ الْفُرُوسِيَّةِ وَإِعْدَادِ أَسْبَابِ الْقِتَالِ؛ وَلِأَنَّهُ بَذْلُ مَالٍ فِي طَاعَةٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَمِنْ أَحَدِهِمَا فَيَقُولُ إنْ سَبَقَتْنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك فَإِنْ شَرَطَ أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا، فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ، وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ، وَإِنْ جَاءَ مَعَ أَحَدِهِمَا فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ، وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ، وَقِيلَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ، وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ يَجُوزُ أَيْضًا شَرْطُ الْمَالِ ‏(‏مِنْ أَحَدِهِمَا‏)‏ فَقَطْ ‏(‏فَيَقُولُ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ سَبَقْتُك فَلَا شَيْءَ عَلَيْك‏)‏ لِانْتِفَاءِ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمَةِ وَتَاسِعُهَا‏:‏ الْمُحَلِّلُ إذَا كَانَ الْمَالُ مِنْهُمَا كَمَا يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ ‏(‏فَإِنْ شَرَطَ‏)‏ أَيْ شَرَطَا فِي عَقْدِ الْمُسَابَقَةِ ‏(‏أَنَّ مَنْ سَبَقَ مِنْهُمَا فَلَهُ عَلَى الْآخَرِ كَذَا لَمْ يَصِحَّ‏)‏ هَذَا الشَّرْطُ ‏(‏إلَّا بِمُحَلِّلٍ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ بِخَطِّهِ مَنْ أَحَلَّ جَعَلَ الْمُمْتَنِعَ حِلًّا؛ لِأَنَّهُ يُحِلُّ الْعَقْدَ يُخْرِجُهُ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ الْمُحَرَّمِ ‏(‏فَرَسُهُ كُفْءٌ لِفَرَسَيْهِمَا‏)‏ يَغْنَمُ إنْ سَبَقَ، وَلَا يَغْرَمُ إنْ سُبِقَ، فَيَجُوزُ لِخُرُوجِهِ بِذَلِكَ عَنْ صُورَةِ الْقِمَارِ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ كَفَرَسَيْهِمَا عَمَّا لَوْ كَانَ ضَعِيفًا عَنْهُمَا أَوْ أَفْرَهَ مِنْهُمَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ، وَالْكُفْءُ مُثَلَّثُ الْكَافِ الْمُسَاوِي وَالنَّظِيرُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ كُلِّ اثْنَيْنِ مُحَلِّلٌ كَمَا يُفْهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، بَلْ يَكْفِي الْمُحَلِّلُ لِجَمَاعَةٍ وَإِنْ كَثُرُوا، وَقَوْلُهُ فَرَسُهُ مِثَالٌ، فَإِنَّ كُلَّ مَا تَصِحُّ الْمُسَابَقَةُ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ عَلَى شَرْطٍ وَاحِدٍ لِلْمُحَلِّلِ، وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْأَصْحَابِ لَهُ أَرْبَعَةٌ، هَذَا، وَأَنْ يَكُونَ فَرَسُهُ مُعَيَّنًا عِنْدَ الْعَقْدِ كَفَرَسَيْهِمَا، وَأَنْ لَا يُخْرِجَ شَيْئًا، وَأَنْ يَأْخُذَ إنْ سَبَقَ، فَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يَأْخُذَ لَمْ يُخْرِجْ، وَهَذَا الرَّابِعُ يُؤْخَذُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏فَإِنْ سَبَقَهُمَا أَخَذَ الْمَالَيْنِ‏)‏ سَوَاءٌ أَجَاءَا مَعًا أَمْ مُرَتَّبًا لِسَبْقِهِ لَهُمَا ‏(‏وَإِنْ سَبَقَاهُ وَجَاءَا مَعًا فَلَا شَيْءَ لِأَحَدٍ‏)‏ لِعَدَمِ سَبْقِهِ لَهُمَا وَعَدَمِ سَبْقِ أَحَدِهِمَا لِلْآخِرِ ‏(‏وَإِنْ جَاءَ‏)‏ الْمُحَلِّلُ ‏(‏مَعَ أَحَدِهِمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَسَابِقَيْنِ وَتَأَخَّرَ الْآخَرُ ‏(‏فَمَالُ هَذَا لِنَفْسِهِ‏)‏ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْبِقْهُ أَحَدٌ ‏(‏وَمَالُ الْمُتَأَخِّرِ لِلْمُحَلِّلِ وَلِلَّذِي مَعَهُ‏)‏ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُمَا سَبَقَاهُ ‏(‏وَقِيلَ هُوَ لِلْمُحَلِّلِ فَقَطْ‏)‏ اقْتِصَارًا لِتَحْلِيلِهِ عَلَى نَفْسِهِ ‏(‏وَإِنْ جَاءَ أَحَدُهُمَا ثُمَّ الْمُحَلِّلُ ثُمَّ الْآخَرُ فَمَالُ الْآخَرِ لِلْأَوَّلِ فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِسَبْقِهِ الِاثْنَيْنِ، وَالثَّانِي لَهُ وَلِلْمُحَلِّلِ لِسَبْقِهِمَا الْآخَرَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْأَوَّلَ يَجُوزُ مَا أَخْرَجَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

الصُّوَرُ الْمُمْكِنَةُ فِي الْمُحَلِّلِ ثَمَانِيَةٌ‏:‏ أَنْ يَسْبِقَهُمَا وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، أَوْ يَسْبِقَاهُ وَيَجِيئَانِ مَعًا أَوْ مُرَتَّبًا، أَوْ يَتَوَسَّطَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَكُونَ مَعَ أَوَّلِهِمَا أَوْ ثَانِيهِمَا أَوْ يَجِيءَ الثَّلَاثَةُ مَعًا، وَلَا يَخْفَى الْحُكْمُ فِي الْجَمِيعِ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا، وَشُرِطَ لِلثَّانِي مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ، وَدُونُهُ يَجُوزُ فِي الْأَصَحِّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَإِنْ تَسَابَقَ ثَلَاثَةٌ فَصَاعِدًا‏)‏ وَبَاذِلُ الْمَالِ غَيْرُهُمْ ‏(‏وَشُرِطَ لِلثَّانِي‏)‏ مِنْهُمْ ‏(‏مِثْلُ الْأَوَّلِ فَسَدَ‏)‏ الْعَقْدُ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَجْتَهِدُ فِي السَّبْقِ لِوُثُوقِهِ بِالْمَالِ سَبَقَ أَوْ لَمْ يَسْبِقْ هَذَا مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ، وَاعْتَمَدَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَلَكِنَّ الْأَصَحَّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ الصِّحَّةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَجْتَهِدُ وَيَسْعَى أَنْ يَكُونَ أَوَّلًا أَوْ ثَانِيًا، فَإِنْ شُرِطَ لِلثَّانِي أَكْثَرُ مِنْ الْأَوَّلِ، أَوْ الْكُلُّ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَأَمَّا الْفِسْكِلُ وَهُوَ الْأَخِيرُ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاوِيَ مَنْ قَبْلَهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُشْرَطَ لَهُ دُونَ مَا شُرِطَ لِمَنْ قَبْلَهُ فِي الْأَصَحِّ ‏(‏وَ‏)‏ إنْ شُرِطَ لِلثَّانِي مِنْهُمْ ‏(‏دُونَهُ‏)‏ أَيْ أَقَلُّ مِنْ الْأَوَّلِ ‏(‏يَجُوزُ‏)‏ بَلْ يُسْتَحَبُّ ‏(‏فِي الْأَصَحِّ‏)‏ لِأَنَّهُ يَسْعَى وَيَجْتَهِدُ لِيَفُوزَ بِالْأَكْثَرِ، وَالثَّانِي الْمَنْعُ لِأَنَّهُ يَكْسَلُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَفُوزُ بِشَيْءٍ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، وَيُقَاسُ بِمَا ذُكِرَ مَا لَوْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثَةٍ، فَلَوْ كَانُوا عَشَرَةً مَثَلًا وَشُرِطَ لِكُلِّ وَاحِدٍ سِوَى الْفِسْكِلِ مِثْلُ الْمَشْرُوطِ لِمَنْ تَقَدَّمَهُ جَازَ فِي الْأَصَحِّ عَلَى مَا فِي الرَّوْضَةِ وَامْتَنَعَ عَلَى مَا فِي الْمَتْنِ، وَعَاشِرُهَا اجْتِنَابُ شَرْطٍ مُفْسِدٍ، فَإِنْ قَالَ إنْ سَبَقْتَنِي فَلَكَ هَذَا الدِّينَارُ بِشَرْطِ أَنْ تُطْعِمَهُ أَصْحَابَك فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِشَرْطٍ يَمْنَعُ كَمَالَ التَّصَرُّفِ، فَصَارَ كَمَا لَوْ بَاعَهُ شَيْئًا بِشَرْطِ أَنْ لَا يَبِيعَهُ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ هُنَا وَلَا فِي الرَّوْضَةِ لِأَسْمَاءِ خَيْلِ السِّبَاقِ، وَعَدَّهَا الرَّافِعِيُّ فِي الشَّرْحِ عَشَرَةً، نَظَمَهَا بَعْضُهُمْ بِقَوْلِهِ وَهِيَ مُجَلٌّ وَمُصَلٍّ تَالِي وَالْبَارِعُ الْمُرْتَاحُ بِالتَّوَالِي ثُمَّ حَظِيٌّ عَاطِفٌ وَمُؤَمَّلُ ثُمَّ السُّكَيْتُ وَالْأَخِيرُ الْفِسْكِلُ وَقَالَ بَعْضٌ آخَرُ‏:‏ وَجُمْلَةُ خَيْلِ السَّبْقِ تُسْمَى بِحِلْيَةٍ وَتَرْتِيبُهَا مِنْ بَعْدِ ذَا أَنَا وَاصِفُ مُجَلٌّ مُصَلٍّ ثُمَّ تَالٍ فَبَارِعُ فَمُرْتَاجُهَا ثُمَّ الْحَظِيُّ فَعَاطِفُ مُؤَمَّلُهَا ثُمَّ اللَّطِيمُ سُكَيْتُهَا وَالْآتِي أَخِيرًا فُسْكُلٌ وَهُوَ تَائِفُ وَالْفِسْكِلُ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَالْكَافِ، وَيُقَالُ بِضَمِّهِمَا، وَيُقَالُ فِيهِمَا غَيْرُ ذَلِكَ، وَمِنْهُمْ مَنْ زَادَ حَادِيَ عَشَرَ سَمَّاهُ الْمُقَرْدِحَ، وَالْفُقَهَاءُ قَدْ يُطْلِقُونَهَا عَلَى رِكَابِ الْخَيْلِ‏.‏

المتن‏:‏

وَسَبْقُ إبِلٍ بِكَتِفٍ، وَخَيْلٍ بِعُنُقٍ، وَقِيلَ بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا يَحْصُلُ بِهِ السَّبْقُ، فَقَالَ ‏(‏وَسَبْقُ إبِلٍ‏)‏ أَيْ وَنَحْوِهَا كَفِيَلَةٍ عِنْدَ إطْلَاقِ الْعَقْدِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ‏(‏بِكَتِفٍ‏)‏ وَعَبَّرَ فِيهَا كَأَصْلِهَا تَبَعًا لِلنَّصِّ، وَالْجُمْهُورُ بِكَتَدٍ بِمُثَنَّاةٍ فَوْقِيَّةٍ وَفَتْحُهَا أَشْهَرُ مِنْ كَسْرِهَا، وَهُوَ مَجْمَعُ الْكَتِفَيْنِ بَيْنَ أَصْلِ الْعُنُقِ وَالظَّهْرِ، يُسَمَّى الْكَاهِلَ قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَنَقَلَ الْبَغَوِيّ عَنْ الرُّبَيِّعِ أَنَّهُ الْكَتِفُ وَلِكَوْنِهِ أَشْهَرَ مِنْ الْكَتَدِ، عَبَّرَ بِهِ الْمُصَنِّفُ، وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْكَتَدُ هُوَ مَا بَيْنَ الْكَاهِلِ وَالظَّهْرِ، وَعَلَيْهِ لَا يَصِحُّ التَّعْبِيرُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ‏(‏وَ‏)‏ سَبْقُ ‏(‏خَيْلٍ‏)‏ أَيْ وَنَحْوِهَا كَبِغَالٍ ‏(‏بِعُنُقٍ‏)‏ فَمَتَى سَبَقَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِكَتِفِهِ أَوْ عُنُقِهِ أَوْ بَعْضِهِ عِنْدَ الْغَايَةِ فَهُوَ السَّابِقُ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْإِبِلَ تَرْفَعُ أَعْنَاقَهَا فِي الْعَدْوِ فَلَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهَا، وَالْخَيْلُ تَمُدُّهَا فَاعْتُبِرَ بِهَا

تَنْبِيهٌ‏:‏

هَذَا إذَا اسْتَوَى الْفَرَسَانِ فِي خِلْقَةِ الْعُنُقِ طُولًا وَقِصَرًا، فَإِنْ اخْتَلَفَا وَسَبَقَ الْأَقْصَرُ عُنُقًا أَوْ الْأَطْوَلُ بِأَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الزِّيَادَةِ فَهُوَ السَّابِقُ وَإِلَّا فَلَا، وَلَوْ رَفَعَتْ الْخَيْلُ أَعْنَاقَهَا فَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ السَّابِقِ أَنَّ الْحُكْمَ فِيهَا كَالْإِبِلِ، وَبِهِ صَرَّحَ الْجُرْجَانِيِّ وَالْفُورَانِيُّ وَجَزَمَ بِهِ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَى هَذَا تُسْتَثْنَى هَذِهِ الصُّورَةُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يُعْتَبَرُ السَّبْقُ ‏(‏بِالْقَوَائِمِ فِيهِمَا‏)‏ أَيْ الْإِبِلِ وَالْخَيْلِ أَيْ وَنَحْوِهِمَا؛ لِأَنَّ الْعَدْوَ بِالْقَوَائِمِ، وَهُوَ الْأَقْيَسُ عِنْدَ الْإِمَامِ، أَمَّا إذَا لَمْ يُطْلِقَا الْعَقْدَ بَلْ شَرَطَا فِي السَّبْقِ أَقْدَامًا مَعْلُومَةً، فَإِنَّ السَّبْقَ لَمْ يَحْصُلْ بِمَا دُونَهَا، وَلَوْ سَبَقَ وَاحِدٌ فِي وَسَطِ الْمَيْدَانِ وَالْآخَرُ فِي آخِرِهِ فَهُوَ السَّابِقُ، وَلَوْ عَثَرَ أَحَدُ الْمَرْكُوبَيْنِ أَوْ وَقَفَ لِمَرَضٍ وَنَحْوِهِ فَتَقَدَّمَ الْآخَرُ لَمْ يَكُنْ سَابِقًا أَوْ بِلَا عِلَّةٍ فَمَسْبُوقٌ لَا إنْ وَقَفَ قَبْلَ أَنْ يَجْرِيَ، وَيُسَنُّ جَعْلُ قَصَبَةٍ فِي الْغَايَةِ يَأْخُذُهَا السَّابِقُ لِيَظْهَرَ سَبْقُهُ‏.‏

المتن‏:‏

وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ مُبَادَرَةٌ وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَحَدُهُمَا بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ، أَوْ مُحَاطَّةٌ، وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا، وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ فَمَنْ زَادَ بِعَدَدِ كَذَا فَنَاضِلٌ، وَبَيَانُ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ وَالْإِصَابَةِ، وَمَسَافَةِ الرَّمْيِ، وَقَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا إلَّا أَنْ يَعْقِدَ بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ، وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ مِنْ قَرْعٍ، وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ بِلَا خَدْشٍ، أَوْ خَزْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ خَسْقٍ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ، أَوْ مَرْقٍ، وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ، فَإِنْ أَطْلَقَا اقْتَضَى الْقَرْعَ، وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ يَجُوزُ عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ وَبِشَرْطِهِ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْم، فَإِنْ عُيِّنَ لَغَا، وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ، فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ بِالرَّمْيِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَيُشْتَرَطُ لِلْمُنَاضَلَةِ‏)‏ أَيْ لِصِحَّتِهَا ‏(‏بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏مُبَادَرَةٌ‏)‏، وَهِيَ أَنْ يَبْدُرَ أَيْ يَسْبِقَ ‏(‏أَحَدُهُمَا‏)‏ أَيْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ‏(‏بِإِصَابَةِ الْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ‏)‏ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ، فَمَنْ أَصَابَهُ نَاضِلٌ لِمَنْ أَصَابَ أَرْبَعَةً مِنْ عِشْرِينَ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ، وَإِنْ أَصَابَ كُلٌّ مِنْهَا خَمْسَةً فَلَا نَاضِلَ مِنْهُمَا ‏(‏أَوْ‏)‏ بَيَانُ أَنَّ الرَّمْيَ فِي الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏مُحَاطَّةٌ‏)‏ بِتَشْدِيدِ الطَّاءِ ‏(‏وَهِيَ أَنْ تُقَابَلَ إصَابَاتُهُمَا‏)‏ مِنْ عَدَدٍ مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَرْمِي عِشْرِينَ مَثَلًا ‏(‏وَيُطْرَحَ الْمُشْتَرَكُ‏)‏ أَيْ مَا اشْتَرَكَا فِيهِ مِنْ الْإِصَابَاتِ ‏(‏فَمَنْ زَادَ‏)‏ فِيهَا ‏(‏بِعَدَدِ كَذَا‏)‏ كَخَمْسٍ ‏(‏فَنَاضِلٌ‏)‏ لِلْآخَرِ فَيَسْتَحِقُّ الْمَالَ الْمَشْرُوطَ فِي الْعَقْدِ، وَلَوْ أَصَابَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْعِشْرِينَ خَمْسَةً وَلَمْ يُصِبْ الْآخَرُ شَيْئًا، فَهَلْ يُقَالُ الْأَوَّلُ نَاضِلٌ أَوْ لَا‏؟‏ إنْ قِيلَ نَعَمْ انْتَقَضَ حَدُّ الْمُحَاطَّةِ لِكَوْنِهَا لَا تُقَابَلُ وَلَا طَرْحَ، وَإِنْ قِيلَ لَا اُحْتِيجَ إلَى نَقْلٍ، وَقَضِيَّةُ كَلَامِهِ أَنَّهُمَا لَوْ شَرَطَا النَّضْلَ بِوَاحِدَةٍ وَطُرِحَ الْمُشْتَرَكُ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مِنْ صُوَرِ الْمُحَاطَّةِ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ وَلَيْسَ مُرَادًا

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ اشْتِرَاطِ التَّعَرُّضِ لِكَوْنِ الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً تَبِعَ فِيهِ الْمُحَرَّرَ وَهُوَ وَجْهٌ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالشَّرْحِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ التَّعَرُّضُ لَهُمَا فِي الْعَقْدِ وَالْإِطْلَاقُ مَحْمُولٌ عَلَى الْمُبَادَرَةِ لِأَنَّهَا الْغَالِبُ مِنْ الْمُنَاضَلَةِ وَيُشْتَرَطُ ذِكْرُ عَدَدِ الرَّمْيِ فِي عَقْدِ مُحَاطَّةٍ أَوْ مُبَادَرَةٍ إلَّا إذَا تَوَافَقَا عَلَى رَمْيَةٍ وَاحِدَةٍ وَشَرَطَا الْمَالَ لِمُصِيبِهَا فَيَصِحُّ فِي الْأَصَحِّ ‏(‏وَ‏)‏ يُشْتَرَطُ فِي الرَّمْيِ مُبَادَرَةً أَوْ مُحَاطَّةً ‏(‏بَيَانُ عَدَدِ نُوَّابِ الرَّمْيِ‏)‏ بَيْنَ الرَّامِيَيْنِ لِيَنْضَبِطَ الْعَمَلُ وَهِيَ أَنَّ الْمُنَاضَلَةَ كَالْمَيْدَانِ فِي الْمُسَابَقَةِ، فَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا رَمْيَ سَهْمٍ سَهْمٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَيَجُوزُ أَنْ يَشْرِطَا تَقَدُّمَ وَاحِدٍ بِجَمِيعِ سِهَامِهِ، وَلَوْ أَطْلَقَا صَحَّ وَحُمِلَ عَلَى رَمْيِ سَهْمٍ سَهْمٍ‏.‏ كَذَا قَالَاهُ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ بَيَانَ عَدَدِ نُوَبِ الرَّمْيِ مُسْتَحَبٌّ، وَبِهِ صَرَّحَ الْمَاوَرْدِيُّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ، وَلَوْ اتَّفَقَا عَلَى أَنْ يَرْمِيَا سَهْمًا سَهْمًا صَحَّ خِلَافًا لِمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ أَنَّ الْوَاحِدَ لَيْسَ بِعَدَدٍ ‏(‏وَ‏)‏ بَيَانُ عَدَدِ ‏(‏الْإِصَابَةِ‏)‏ كَخَمْسَةٍ مِنْ عِشْرِينَ؛ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِالْإِصَابَةِ، وَبِهَا يَتَبَيَّنُ حِذْقُ الرَّامِي وَجَوْدَةُ رَمْيِهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ فَيَفْسُدُ الْعَقْدُ إنْ امْتَنَعَتْ الْإِصَابَةُ عَادَةً لِصِغَرِ الْغَرَضِ أَوْ كَثْرَةِ الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ كَعَشَرَةٍ مُتَوَالِيَةٍ أَوْ نَدَرَتْ كَإِصَابَةِ تِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ أَوْ تُيُقِّنَتْ كَإِصَابَةِ حَاذِقٍ وَاحِدٍ مِنْ مِائَةٍ، وَاشْتِرَاطُ بَيَانِ عَدَدِ الْإِصَابَةِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَوْ قَالَا نَرْمِي عَشَرَةً، فَمَنْ أَصَابَ أَكْثَرَ مِنْ صَاحِبِهِ فَنَاضِلٌ لَا يَكْفِي، وَجَزَمَ الْأَذْرَعِيُّ بِأَنَّهُ يَكْفِي وَهُوَ الظَّاهِرُ ‏(‏وَ‏)‏ بَيَانُ ‏(‏مَسَافَةِ الرَّمْيِ‏)‏ وَهِيَ مَا بَيْنَ مَوْقِفِ الرَّامِي وَالْغَرَضِ لِاخْتِلَافِ الْغَرَضِ بِهَا، وَبَيَانُهَا إمَّا بِالذُّرْعَانِ أَوْ الْمُشَاهَدَةِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ عَادَةٌ غَالِبَةٌ، وَإِلَّا فَيَنْزِلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهَا كَمَا هُوَ الْمُرَجَّحُ فِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا، وَلَوْ تَنَاضَلَا عَلَى أَنْ يَكُونَ السَّبَقُ لِأَبْعَدِهِمَا رَمْيًا، وَلَمْ يَقْصِدَا غَرَضًا صَحَّ الْعَقْدُ عَلَى الْأَصَحِّ فَيُرَاعَى لِلْبُعْدِ اسْتِوَاؤُهُمَا فِي شِدَّةِ الْقَوْسِ وَرَزَانَةِ السَّهْمِ، وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الْوُصُولُ إلَى الْغَرَضِ مُمْكِنًا، فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ، وَكَذَا لَوْ كَانَتْ الْإِصَابَةُ فِيهَا نَادِرَةً عَلَى الْأَرْجَحِ قَالَا‏:‏ وَقَدَّرَ الْأَصْحَابُ الْمَسَافَةَ الَّتِي يَقْرُبُ تَوَقُّعُ الْإِصَابَةِ فِيهَا بِمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ ذِرَاعًا، وَمَا يَتَعَذَّرُ فِيهَا بِمَا فَوْقَ ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ، وَمَا يَنْدُرُ فِيهَا بِمَا بَيْنَهُمَا قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالذِّرَاعِ ذِرَاعُ الْيَدِ الْمُعْتَبَرِ فِي مَسَافَةِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ‏(‏وَ‏)‏ بَيَانُ ‏(‏قَدْرِ الْغَرَضِ طُولًا وَعَرْضًا‏)‏ وَسُمْكًا وَارْتِفَاعًا مِنْ الْأَرْضِ ‏(‏إلَّا أَنْ يَعْقِدَ‏)‏ بِمُثَنَّاةٍ تَحْتِيَّةٍ بِخَطِّهِ ‏(‏بِمَوْضِعٍ فِيهِ غَرَضٌ مَعْلُومٌ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَيْهِ‏)‏ وَلَا يُحْتَاجُ لِبَيَانِ قَدْرِ الْغَرَضِ كَمَا مَرَّ فِي الْمَسَافَةِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَوْلُهُ عَلَيْهِ يَنْبَغِي عَوْدُهُ عَلَى الْمَسْأَلَتَيْنِ، أَعْنِي مَسَافَةَ الرَّمْيِ وَقَدْرَ الْغَرَضِ لِيُوَافِقَ تَرْجِيحَ الرَّوْضَةِ الْمُتَقَدِّمَ، وَالْغَرَضُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَا يُرْمَى إلَيْهِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ جِلْدٍ أَوْ قِرْطَاسٍ، وَالْهَدَفُ مَا يُرْفَعُ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْغَرَضُ وَالرُّقْعَةُ عَظْمٌ وَنَحْوُهُ يُجْعَلُ وَسَطَ الْغَرَضِ، وَالدَّارَةُ نَقْشٌ مُسْتَدِيرٌ كَالْقَمَرِ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ قَدْ يُجْعَلُ بَدَلَ الرُّقْعَةِ فِي وَسَطِ الْغَرَضِ أَوْ الْخَاتَمِ وَهُوَ نَقْشٌ فِي وَسَطِ الدَّارَةِ، وَقَدْ يُقَالُ لَهُ الْحَلْقَةُ وَالرُّقْعَةُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مَحِلُّ الْإِصَابَةِ مَعْلُومًا هَلْ هُوَ الْهَدَفُ وَالْغَرَضُ أَوْ الدَّارَةُ‏؟‏ فَإِنْ أُغْفِلَ ذَلِكَ كَانَ جَمِيعُ الْغَرَضِ مَحِلًّا لِلْإِصَابَةِ، وَإِنْ شُرِطَتْ الْإِصَابَةُ فِي الْهَدَفِ وَهُوَ تُرَابٌ يُجْمَعُ أَوْ حَائِطٌ يُبْنَى سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ، وَلَزِمَ وَصْفُ الْهَدَفِ فِي طُولِهِ وَعَرْضِهِ، أَوْ فِي الْغَرَضِ لَزِمَهُ وَصْفُهُ أَوْ فِي الدَّارَةِ سَقَطَ اعْتِبَارُ الْغَرَضِ، وَلَزِمَ وَصْفُ الدَّارَةِ ا هـ‏.‏

وَلَوْ شَرَطَ إصَابَةَ الْخَاتَمِ أُلْحِقَ بِالنَّادِرِ ‏(‏وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الرَّمْيِ‏)‏ أَيْ كَيْفِيَّتَهُ وَإِصَابَةَ الْغَرَضِ ‏(‏مِنْ قَرْعٍ‏)‏ بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ وَرَاءٍ سَاكِنَةٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِقَرْعِهِ الْغَرَضَ ‏(‏وَهُوَ إصَابَةُ الشَّنِّ‏)‏ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ بَعْدَهَا نُونٌ وَهُوَ الْغَرَضُ الَّذِي تُقْصَدُ إصَابَتُهُ، وَأَصْلُهُ الْجِلْدُ الْبَالِي، وَقِيلَ هُوَ جِلْدَةٌ تُلْصَقُ عَلَى وَجْهِ الْهَدَفِ ‏(‏بِلَا خَدْشٍ‏)‏ لَهُ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏خَزْقٍ‏)‏ بِخَاءٍ وَزَايٍ مُعْجَمَتَيْنِ ‏(‏وَهُوَ أَنْ يَثْقُبَهُ‏)‏ أَيْ السَّهْمُ الشَّنَّ ‏(‏وَلَا يَثْبُتَ فِيهِ‏)‏ بِأَنْ يَعُودَ ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏خَسْقٍ‏)‏ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، ثُمَّ سِينٍ مُهْمَلَةٍ ‏(‏وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ فِيهِ‏)‏ وَلَوْ مَعَ خُرُوجِ بَعْضِ النَّصْلِ أَوْ مَعَ وُقُوعِهِ فِي ثُقْبٍ قَدِيمٍ، وَلَهُ قُوَّةٌ بِحَيْثُ يَخْرِقُ لَوْ أَصَابَ مَوْضِعًا صَحِيحًا ‏(‏أَوْ‏)‏ مِنْ ‏(‏مَرْقٍ‏)‏ بِسُكُونِ الرَّاءِ ‏(‏وَهُوَ أَنْ يَنْفُذَ‏)‏ وَيَخْرُجَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ قَالَ ابْنُ شُهْبَةَ‏:‏ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الشَّنِّ الْمُعَلَّقِ ا هـ‏.‏

وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَتْ هَذِهِ الصِّفَاتُ لِأَنَّ الْأَغْرَاضَ تَخْتَلِفُ بِهَا وَأَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ الْخَرْمَ بِالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ، وَهُوَ أَنْ يُصِيبَ طَرَفَ الْغَرَضِ فَيَخْرِمَهُ، وَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَلْيُبَيِّنَا صِفَةَ الْإِصَابَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ وَالرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا، فَإِنَّ مَا ذُكِرَ صِفَةٌ لَهَا لَا لِلرَّمْيِ فَعَجَبٌ مِنْ الْمُصَنِّفِ، فَإِنَّ الشَّيْخَ عَبَّرَ فِي التَّنْبِيهِ كَمَا فِي الْكِتَابِ، فَاعْتَرَضَهُ الْمُصَنِّفُ فِي التَّحْرِيرِ بِمَا ذَكَرْنَاهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَعَيُّنُ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِالشَّرْطِ، وَلَيْسَ مُرَادًا مُطْلَقًا، بَلْ كُلُّ صِفَةٍ يُغْنِي عَنْهَا مَا بَعْدَهَا، فَالْقَرْعُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَزْقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَالْخَزْقُ يُغْنِي عَنْهُ الْخَسْقُ وَمَا بَعْدَهُ، وَهَكَذَا إلَى آخِرِهَا، وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْمُغَايِرَةِ بَيْنَ الْخَزْقِ وَالْخَسْقِ خِلَافُ مَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ الْجَوْهَرِيِّ وَالْأَزْهَرِيِّ حَيْثُ جَعَلَا الْخَازِقَ بِالزَّايِ لُغَةً فِي الْخَاسِقِ بِالسِّينِ، فَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ فَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الْفُقَهَاءُ هُوَ عُرْفُ الرُّمَاةِ ‏(‏فَإِنْ أَطْلَقَا‏)‏ الْعَقْدَ كَفَى، وَ ‏(‏اقْتَضَى الْقَرْعَ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ ‏(‏وَيَجُوزُ عِوَضُ الْمُنَاضَلَةِ مِنْ حَيْثُ‏)‏ أَيْ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي ‏(‏يَجُوزُ‏)‏ مِنْهَا ‏(‏عِوَضُ الْمُسَابَقَةِ‏)‏ فَيُخْرِجُ عِوَضَ الْمُنَاضَلَةِ الْإِمَامُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ، أَوْ أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ أَوْ كِلَاهُمَا فَيَقُولُ الْإِمَامُ أَوْ أَحَدُ الرَّعِيَّةِ ارْمِيَا كَذَا، فَمَنْ أَصَابَ مِنْ كَذَا فَلَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ أَوْ عَلَيَّ كَذَا، أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا نَرْمِي كَذَا فَإِنْ أَصَبْت أَنْتَ مِنْهَا كَذَا فَلَكَ عَلَيَّ كَذَا، وَإِنْ أَصَبْتهَا أَنَا فَلَا شَيْءَ لِي عَلَيْك، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ ‏(‏وَبِشَرْطِهِ‏)‏ إلَى أَنَّ الْعِوَضَ إذَا شَرَطَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمُحَلِّلٍ يَكُونُ رَمْيُهُ كَرَمْيِهِمَا فِي الْقُوَّةِ وَالْعَدَدِ الْمَشْرُوطِ يَأْخُذُ مَالَهُمَا إنْ غَلَبَهُمَا وَلَا يَغْرَمُ إنْ غُلِبَ ‏(‏وَلَا يُشْتَرَطُ‏)‏ فِي الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏تَعْيِينُ قَوْسٍ وَسَهْمٍ‏)‏ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ عَلَى الرَّامِي بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ فِي الْمُسَابَقَةِ ‏(‏فَإِنْ عُيِّنَ‏)‏ شَيْءٌ مِنْهُمَا ‏(‏لَغَا‏)‏ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ ‏(‏وَجَازَ إبْدَالُهُ بِمِثْلِهِ‏)‏ مِنْ ذَلِكَ النَّوْعِ سَوَاءٌ أَحَدَثَ فِيهِ خَلَلٌ يَمْنَعُ مِنْ اسْتِعْمَالِهِ أَمْ لَا بِخِلَافِ الْمَرْكُوبِ كَمَا مَرَّ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ ‏"‏ بِمِثْلِهِ ‏"‏ عَنْ الِانْتِقَالِ مِنْ نَوْعٍ إلَى نَوْعٍ كَالْقِسِيِّ الْفَارِسِيَّةِ وَالْعَرَبِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالرِّضَا؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ بِهِ أَرْمَى ‏(‏فَإِنْ شُرِطَ مَنْعُ إبْدَالِهِ فَسَدَ الْعَقْدُ‏)‏ لِأَنَّهُ شَرْطٌ فَاسِدٌ يُخَالِفُ مُقْتَضَى الْعَقْدِ فَأَفْسَدَهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ عَلَى الرَّامِي، فَإِنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ لَهُ أَحْوَالٌ خَفِيَّةٌ تُحْوِجُهُ إلَى الْإِبْدَالِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا يُشْتَرَطُ تَعْيِينُ نَوْعٍ فِي الْعَقْدِ؛ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْمُنَاضَلَةِ عَلَى الرَّامِي كَمَا مَرَّ، فَإِذَا أَطْلَقَا صَحَّ الْعَقْدُ، ثُمَّ إنْ تَرَاضَيَا عَلَى نَوْعٍ فَذَاكَ، أَوْ نَوْعٍ مِنْ جَانِبٍ وَآخَرَ مِنْ جَانِبٍ جَازَ فِي الْأَصَحِّ، وَإِنْ تَنَازَعَا فُسِخَ الْعَقْدُ فِي الْأَصَحِّ، وَقِيلَ يَنْفَسِخُ، وَلَا تَتَنَاوَلُ عِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ هَذِهِ الصُّورَةَ؛ لِأَنَّ التَّفْرِيعَ الْمَذْكُورَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ عَيَّنَ لَغَا وَمَا بَعْدَهُ لَا يَسْتَقِيمُ فِي تَعْيِينِ النَّوْعِ وَعَدَمِ اشْتِرَاطِهِ النَّوْعَ، أَمَّا اتِّحَادُ الْجِنْسِ فَيُشْتَرَطُ، فَإِنْ اخْتَلَفَ كَسِهَامٍ مَعَ رِمَاحٍ لَمْ يَصِحَّ عَلَى الْأَصَحِّ ‏(‏وَالْأَظْهَرُ اشْتِرَاطُ بَيَانِ الْبَادِئِ‏)‏ مِنْ الْمُتَنَاضِلَيْنِ ‏(‏بِالرَّمْيِ‏)‏ لِاشْتِرَاطِ التَّرْتِيبِ بَيْنَهُمَا فِيهِ حَذَرًا مِنْ اشْتِبَاهِ الْمُصِيبِ بِالْمُخْطِئِ كَمَا لَوْ رَمَيَا مَعًا، فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَاهُ فَسَدَ الْعَقْدُ، وَالثَّانِي، لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُهُ وَرَجَّحَهُ الْبُلْقِينِيُّ، وَعَلَيْهِ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ لَوْ بَدَأَ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَةٍ لَهُ تَأَخَّرَ عَنْ الْآخَرِ فِي الْأُخْرَى، وَلَوْ شُرِطَ تَقْدِيمُهُ أَبَدًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْمُنَاضَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي وَالرَّمْيُ فِي غَيْرِ النَّوْبَةِ لَاغٍ، وَلَوْ جَرَى بِاتِّفَاقِهِمَا فَلَا تُحْسَبُ الزِّيَادَةُ لَهُ إنْ أَصَابَ، وَلَا عَلَيْهِ إنْ أَخْطَأَ، وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا كَمَا سَبَقَ تَسَاوِيهِمَا فِي الْمَوْقِفِ، فَلَوْ شُرِطَ كَوْنُ أَحَدِهِمَا أَقْرَبَ لِلْغَرَضِ فَسَدَ الْعَقْدُ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ يَخْتَارَانِ أَصْحَابًا جَازَ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا بِقُرْعَةٍ، فَإِنْ اخْتَارَ غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ، وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ، وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي قَوْلَا الصَّفْقَةِ، فَإِنْ صَحَّحْنَا فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ، فَإِنْ أَجَازُوا وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ حَضَرَ جَمْعٌ لِلْمُنَاضَلَةِ فَانْتَصَبَ زَعِيمَانِ‏)‏ تَثْنِيَةُ زَعِيمٍ، وَهُوَ سَيِّدُ الْقَوْمِ ‏(‏يَخْتَارَانِ‏)‏ قَبْلَ عَقْدِهِمَا مِنْ ذَلِكَ الْجَمْعِ ‏(‏أَصْحَابًا‏)‏ أَيْ حِزْبًا، وَكَانَ انْتِصَابُهُمَا بِرِضَا ذَلِكَ الْجَمْعِ ‏(‏جَازَ‏)‏ وَيَكُونُ كُلُّ حِزْبٍ فِي الْإِصَابَةِ وَالْخَطَأِ كَشَخْصٍ وَاحِدٍ قَالَ الْقَاضِي الْحُسَيْنُ وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُمَا أَحَدَ الْجَمَاعَةِ، وَلِلْجَوَازِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ‏:‏ أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ حِزْبٍ زَعِيمٌ، فَلَا يَكْفِي زَعِيمٌ وَاحِدٌ كَمَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّى وَاحِدٌ طَرَفَيْ الْبَيْعِ‏.‏ الثَّانِي تَعْيِينُ الْأَصْحَابِ قَبْلَ الْعَقْدِ، وَيَخْتَارَانِ وَاحِدًا بِوَاحِدٍ، وَهَكَذَا حَتَّى يَتِمَّ الْعَدَدُ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمْعَ حِزْبِهِ أَوَّلًا لِئَلَّا يَأْخُذَ الْحُذَّاقَ‏.‏ الثَّالِثُ اسْتِوَاءُ عَدَدِ الْحِزْبَيْنِ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَبِهِ أَجَابَ الْبَغَوِيّ، وَهُوَ أَظْهَرُ مِنْ قَوْلِ الْإِمَامِ لَا يُشْتَرَطُ التَّسَاوِي فِي الْعَدَدِ، بَلْ لَوْ رَمَى وَاحِدٌ سَهْمَيْنِ فِي مُقَابَلَةِ اثْنَيْنِ جَازَ‏.‏ الرَّابِعُ إمْكَانُ قِسْمَةِ السِّهَامِ عَلَيْهِمْ بِلَا كَسْرٍ، فَإِنْ تَحَزَّبُوا ثَلَاثَةً اُشْتُرِطَ أَنْ يَكُونَ لِلسِّهَامِ ثُلُثٌ صَحِيحٌ كَالثَّلَاثِينَ، وَإِنْ تَحَزَّبُوا أَرْبَعَةً فَرُبُعٌ صَحِيحٌ كَالْأَرْبَعِينَ، وَيَجُوزُ شَرْطُ الْمَالِ مِنْ غَيْرِهِمَا، وَمَنْ أَحَدِهِمَا، وَمِنْهُمَا، لَكِنْ بِمُحَلِّلٍ، وَهُوَ حِزْبٌ ثَالِثٌ يُكَافِئُ كُلَّ حِزْبٍ فِي الْعَدَدِ وَالرَّمْيِ كَمَا قَالَهُ الْمَاوَرْدِيُّ ‏(‏وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ تَعْيِينِهِمَا‏)‏ أَيْ الْأَصْحَابِ ‏(‏بِقُرْعَةٍ‏)‏ وَلَا أَنْ يَخْتَارَ وَاحِدٌ جَمِيعَ الْحِزْبِ أَوَّلًا، لِأَنَّ الْقُرْعَةَ أَوْ الَّذِي اخْتَارَهُ قَدْ يَجْمَعُ الْحُذَّاقَ فِي جَانِبٍ وَضِدَّهُمْ فِي الْآخَرِ فَيَفُوتُ مَقْصُودُ الْمُنَاضَلَةِ، وَلَوْ تَنَازَعَ الزَّعِيمَانِ فِيمَنْ يَخْتَارُ أَوَّلًا أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَوْ ضُمَّ حَاذِقٌ إلَى غَيْرِهِ فِي كُلِّ جَانِبٍ وَأُقْرِعَ فَلَا بَأْسَ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَلَوْ رَضِيَا بِمَنْ أَخْرَجَتْهُ، وَعَقَدَا عَلَيْهِ يَنْبَغِي جَوَازُهُ ا هـ‏.‏

وَبَعْدَ تَمْيِيزِ الْأَصْحَابِ وَتَرَاضِي الْحِزْبَيْنِ يَتَوَكَّلُ كُلُّ زَعِيمٍ عَنْ أَصْحَابِهِ فِي الْعَقْدِ وَيَعْقِدَانِ قَالَ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَنَصَّ فِي الْأُمِّ عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْرِفَ كُلُّ وَاحِدٍ مَنْ يَرْمِي مَعَهُ بِأَنْ يَكُونَ حَاضِرًا أَوْ غَائِبًا يَعْرِفُهُ، قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَكْفِي مَعْرِفَةُ الزَّعِيمَيْنِ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْرِفَ الْأَصْحَابُ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَابْتِدَاءُ أَحَدِ الْحِزْبَيْنِ كَابْتِدَاءِ أَحَدِ الرَّجُلَيْنِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَتَقَدَّمَ مِنْ هَذَا الْحِزْبِ فُلَانٌ وَيُقَابِلَهُ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ فُلَانٌ؛ لِأَنَّ تَدْبِيرَ كُلِّ حِزْبٍ إلَى زَعِيمِهِ، وَلَيْسَ لِلْآخَرِ مُشَارَكَتُهُ فِيهِ

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي الزَّعِيمِ مَعْرِفَةُ كَوْنِ الْحِزْبِ رَامِيًا، بَلْ تَكْفِي الْمُشَاهَدَةُ، وَلِهَذَا قَالَ ‏(‏فَإِنْ اخْتَارَ‏)‏ زَعِيمٌ ‏(‏غَرِيبًا ظَنَّهُ رَامِيًا فَبَانَ خِلَافُهُ‏)‏ أَيْ لَمْ يُحْسِنْ رَمْيًا أَصْلًا ‏(‏بَطَلَ الْعَقْدُ فِيهِ وَسَقَطَ مِنْ الْحِزْبِ الْآخَرِ وَاحِدٌ‏)‏ بِإِزَائِهِ لِيَحْصُلَ التَّسَاوِي، كَمَا إذَا بَطَلَ الْبَيْعُ فِي بَعْضِ الْمَبِيعِ يَسْقُطُ قِسْطُهُ مِنْ الثَّمَنِ ‏(‏وَفِي بُطْلَانِ الْبَاقِي‏)‏ مِنْ الْحِزْبَيْنِ ‏(‏قَوْلَا‏)‏ تَفْرِيقِ ‏(‏الصَّفْقَةِ‏)‏ أَظْهَرُهُمَا تُفَرَّقُ، وَيَصِحُّ الْعَقْدُ فِيهِ ‏(‏فَإِنْ صَحَّحْنَا‏)‏ الْعَقْدَ فِي الْبَاقِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ ‏(‏فَلَهُمْ جَمِيعًا الْخِيَارُ‏)‏ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْإِجَازَةِ لِلتَّبْعِيضِ ‏(‏فَإِنْ أَجَازُوا‏)‏ الْعَقْدَ ‏(‏وَتَنَازَعُوا فِيمَنْ‏)‏ أَيْ فِي تَعْيِينِ مَنْ ‏(‏يَسْقُطُ بَدَلُهُ فَسَدَ الْعَقْدُ‏)‏ لِتَعَذُّرِ إمْضَائِهِ، هَذَا إذَا قُلْنَا سَقَطَ وَاحِدٌ عَلَى الْإِبْهَامِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَلَكِنْ ذَكَرَ ابْنُ الصَّبَّاغِ فِي الشَّامِلِ، وَالشَّاشِيُّ فِي الْحِلْيَةِ، وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ كَمَا حَكَاهُ الْأَذْرَعِيُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ الَّذِي عَيَّنَهُ الزَّعِيمُ فِي مُقَابَلَتِهِ، لِأَنَّ أَحَدَ الزَّعِيمَيْنِ يَخْتَارُ وَاحِدًا، وَيَخْتَارُ الْآخَرُ وَاحِدًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَقَالَ الْبُلْقِينِيُّ إنَّهُ مُتَعَيَّنٌ لِأَنَّ الْإِبْطَالَ مَعَ الْإِبْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَافِ فِيهِ عُذْرٌ عَظِيمٌ ا هـ‏.‏

وَعَلَى هَذَا لَا فَسْخَ وَلَا مُنَازَعَةَ، وَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ مُقَابِلُهُ، أَمَّا إذَا بَانَ ضَعِيفَ الرَّمْيِ أَوْ قَلِيلَ الْإِصَابَةِ فَلَا فَسْخَ، وَلَوْ بَانَ فَوْقَ مَا ظَنُّوهُ فَلَا فَسْخَ لِلْحِزْبِ الْآخَرِ، وَلَوْ اخْتَارَ مَجْهُولًا ظَنَّهُ غَيْرَ رَامٍ فَبَانَ رَامِيًا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ فَالْقِيَاسُ الْبُطْلَانُ أَيْضًا‏.‏ ‏.‏

المتن‏:‏

وَإِذَا نَضَلَ حِزْبٌ قُسِمَ الْمَالُ بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ، وَقِيلَ بِالسَّوِيَّةِ، وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ، فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ أَوْ قَوْسٌ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ بِهِ حُسِبَ لَهُ، وَإِلَّا لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ فَأَصَابَ مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ وَإِلَّا فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَوْ تَنَاضَلَ غَرِيبَانِ لَا يَعْرِفُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْآخَرَ جَازَ، فَإِنْ بَانَا غَيْرَ مُتَكَافِئَيْنِ فَهَلْ يَبْطُلُ الْعَقْدُ أَوْ لَا‏؟‏ وَجْهَانِ أَظْهَرُهُمَا كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ الْمُقْرِي الْبُطْلَانُ لِتَبَيُّنِ فَسَادِ الشَّرْطِ ‏(‏وَإِذَا نَضَلَ‏)‏ أَيْ غَلَبَ فِي الْمُنَاضَلَةِ ‏(‏حِزْبٌ‏)‏ مِنْ الْحِزْبَيْنِ الْآخَرَ ‏(‏قُسِّمَ الْمَالُ‏)‏ الْمَشْرُوطُ ‏(‏بِحَسَبِ الْإِصَابَةِ‏)‏ لِأَنَّهُمْ اسْتَحَقُّوا بِهَا، فَمَنْ لَا إصَابَةَ لَهُ لَا شَيْءَ لَهُ، وَمَنْ أَصَابَ أَخَذَ بِحَسَبِ إصَابَتِهِ ‏(‏وَقِيلَ‏)‏ يُقْسَمُ الْمَالُ ‏(‏بِالسَّوِيَّةِ‏)‏ بَيْنَهُمْ عَلَى عَدَدِ رُءُوسِهِمْ لِأَنَّهُمْ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ كَمَا أَنَّ الْمَنْضُولِينَ يَغْرَمُونَ بِالسَّوِيَّةِ، وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ، وَالْأَشْبَهُ فِي الشَّرْحَيْنِ وَفِي الْمُحَرَّرِ أَنَّ الْأَشْبَهَ الْأَوَّلُ، وَتَبِعَهُ الْمُصَنِّفُ قَالَ فِي الْمُهِمَّاتِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْمُحَرَّرِ سَبْقُ قَلَمٍ

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحِلُّ الْخِلَافِ فِي حَالَةِ الْإِطْلَاقِ، فَإِنْ شَرَطُوا أَنْ يَقْسِمُوا عَلَى الْإِصَابَةِ فَالشَّرْطُ مُتَّبَعٌ، وَلَوْلَا أَنَّ الْخِلَافَ مُحَقَّقٌ لَأَمْكَنَ حَمْلُ كَلَامِ الْمَتْنِ عَلَى هَذَا ‏(‏وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِصَابَةِ الْمَشْرُوطَةِ أَنْ تَحْصُلَ بِالنَّضْلِ‏)‏ لِأَنَّهُ الْمُتَعَارَفُ لَا بِالْفَوْقِ مَثَلًا وَهُوَ مَوْضِعُ الْوَتَرِ مِنْ السَّهْمِ، فَإِنْ أَصَابَ حُسِبَ عَلَيْهِ، لَا لَهُ

تَنْبِيهٌ‏:‏

النَّضْلُ بِضَادٍ مُعْجَمَةٍ بِخَطِّهِ، وَفِي الرَّوْضَةِ بِالْمُهْمَلَةِ‏:‏ أَيْ بِطَرَفِ النَّصْلِ، وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ ثُمَّ شَرَعَ فِي النَّكَبَاتِ الَّتِي تَطْرَأُ عِنْدَ الرَّمْيِ وَتُشَوِّشُهُ، وَالْأَصْلُ أَنَّ السَّهْمَ مَتَى وَقَعَ مُتَبَاعِدًا عَنْ الْغَرَضِ تَبَاعُدًا مُفْرِطًا إمَّا مُقَصِّرًا عَنْهُ أَوْ مُجَاوِزًا لَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ بِسُوءِ الرَّمْيِ حُسِبَ عَلَى الرَّامِي وَلَا يُرَدُّ إلَيْهِ السَّهْمُ لِيَرْمِيَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ لِنَكْبَةٍ عَرَضَتْ أَوْ خَلَلٍ فِي آلَةِ الرَّمْيِ بِلَا تَقْصِيرٍ مِنْهُ لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ ‏(‏فَلَوْ تَلِفَ وَتَرٌ‏)‏ بِانْقِطَاعِهِ حَالَ رَمْيِهِ ‏(‏أَوْ قَوْسٌ‏)‏ بِانْكِسَارِهِ حَالَ رَمْيِهِ، لَا بِتَقْصِيرِهِ وَسُوءِ رَمْيِهِ كَمَا فِي الرَّوْضَةِ ‏(‏أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ‏)‏ كَحَيَوَانٍ ‏(‏انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ وَأَصَابَ‏)‏ فِي الْمَسَائِلِ الثَّلَاثِ الْغَرَضَ ‏(‏حُسِبَ لَهُ‏)‏ لِأَنَّ الْإِصَابَةَ مَعَ ذَلِكَ تَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَقُوَّتِهِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُصِبْ الْغَرَضَ فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ ‏(‏لَمْ يُحْسَبْ عَلَيْهِ‏)‏ لِعُذْرِهِ فَيُعِيدُ رَمْيَهُ، فَإِنْ قَصَّرَ أَوْ أَسَاءَ رَمْيَهُ حُسِبَ عَلَيْهِ قَالَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَوْ انْكَسَرَ السَّهْمُ نِصْفَيْنِ بِلَا تَقْصِيرٍ فَأَصَابَ إصَابَةً شَدِيدَةً بِالنِّصْفِ الَّذِي فِيهِ النَّصْلُ حُسِبَ لَهُ؛ لِأَنَّ اشْتِدَادَهُ مَعَ الِانْكِسَارِ يَدُلُّ عَلَى جَوْدَةِ الرَّمْيِ وَغَايَةِ الْحِذْقِ بِخِلَافِ إصَابَتِهِ بِالنِّصْفِ الْآخَرِ لَا يُحْسَبُ لَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ انْكِسَارٌ، وَظَاهِرُ التَّقْيِيدِ بِالشَّدِيدَةِ أَنَّ الضَّعِيفَةَ لَا تُحْسَبُ‏.‏ وَالْأَوْجَهُ كَمَا قَالَ شَيْخُنَا أَنَّهَا تُحْسَبُ، وَإِنْ أَصَابَ بِالنِّصْفَيْنِ حُسِبَ ذَلِكَ إصَابَةً وَاحِدَةً كَالرَّمْيِ دَفْعَةً بِسَهْمَيْنِ إذَا أَصَابَ بِهِمَا، وَلَوْ أَصَابَ السَّهْمُ الْأَرْضَ فَانْدَلَقَ وَأَصَابَ الْغَرَضَ حُسِبَ لَهُ، وَإِنْ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ سَقَطَ السَّهْمُ بِالْإِغْرَاقِ مِنْ الرَّامِي بِأَنْ بَالَغَ بِالْمَدِّ حَتَّى دَخَلَ النَّصْلُ مِقْبَضَ الْقَوْسِ، وَوَقَعَ السَّهْمُ عِنْدَهُ فَكَانْقِطَاعِ الْوَتَرِ وَانْكِسَارِ الْقَوْسِ، لِأَنَّ سُوءَ الرَّمْيِ أَنْ يُصِيبَ غَيْرَ مَا قَصَدَهُ وَلَمْ يُوجَدْ هُنَا ‏(‏وَلَوْ نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ‏)‏ فِيمَا إذَا كَانَ الشَّرْطُ الْقَرْعَ ‏(‏فَأَصَابَ‏)‏ السَّهْمُ ‏(‏مَوْضِعَهُ حُسِبَ لَهُ‏)‏ عَنْ إصَابَتِهِ الْمَشْرُوطَةِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَوْضِعَهُ لَأَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ الشَّرْطُ الْخَزْقَ فَثَبَتَ السَّهْمُ وَالْوَضْعُ فِي صَلَابَةِ الْغَرَضِ حُسِبَ لَهُ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ لَمْ يُصِبْ مَوْضِعَهُ ‏(‏فَلَا يُحْسَبُ عَلَيْهِ‏)‏ إحَالَةً عَلَى السَّبَبِ الْعَارِضِ قَالَ الشَّارِحُ وَمَا بَعْدُ لَا مَزِيدَ عَلَى الْمُحَرَّرِ، وَفِي الرَّوْضَةِ كَأَصْلِهَا أَوْ أَصَابَ الْغَرَضَ، فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ، لَا لَهُ وَلَا يُرَدُّ عَلَى الْمِنْهَاجِ ا هـ‏.‏

دُفِعَ بِذَلِكَ الِاعْتِرَاضُ عَلَى الْمِنْهَاجِ، وَوَجْهُ الِاعْتِرَاضِ أَنَّهُ إذَا كَانَ عِنْدَ إصَابَةِ الْغَرَضِ فِي الْمَوْضِعِ الْمُنْتَقِلِ إلَيْهِ يُحْسَبُ عَلَيْهِ حُسِبَ عَلَيْهِ بِالْأَوْلَى إذَا لَمْ يُصِبْهُ وَوَجْهُ الدَّفْعِ إمَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ مَا فِي الْمِنْهَاجِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا طَرَأَتْ الرِّيحُ بَعْدَ رَمْيِهِ فَنَقَلَتْ الْغَرَضَ فَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ تَقْصِيرٌ، وَالرَّوْضَةِ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْهُ قَبْلَ رَمْيِهِ فَنُسِبَ إلَى تَقْصِيرٍ، فَهُمَا مَسْأَلَتَانِ، أَوْ أَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا نَقَلَتْ الرِّيحُ الْغَرَضَ وَالْحَالُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَلَفِ وَتَرٍ أَوْ قَوْسٍ أَوْ عَرَضَ شَيْءٌ انْصَدَمَ بِهِ السَّهْمُ بِخِلَافِ مَا فِي الرَّوْضَةِ، وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ فَثَقَبَ وَثَبَتَ ثُمَّ سَقَطَ، أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ حُسِبَ لَهُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ شُرِطَ خَسْقٌ‏)‏ فَرَمَى أَحَدُ الْمُتَنَاضِلَيْنِ السَّهْمَ ‏(‏فَثَقَبَ وَثَبَتَ، ثُمَّ سَقَطَ أَوْ لَقِيَ صَلَابَةً فَسَقَطَ‏)‏ وَلَوْ بِلَا ثَقْبٍ ‏(‏حُسِبَ لَهُ‏)‏ لِعَدَمِ تَقْصِيرِهِ، فَلَوْ خَدَشَهُ وَلَمْ يَثْقُبْهُ فَلَيْسَ بِخَاسِقٍ، وَكَذَا إنْ ثَقَبَهُ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَظْهَرِ‏.‏ خَاتِمَةٌ فِيهَا مَسَائِلُ مَنْثُورَةٌ تَتَعَلَّقُ بِالْبَابِ يُنْدَبُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْغَرَضِ شَاهِدَانِ يَشْهَدَانِ عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ إصَابَةٍ وَخَطَإٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَمْدَحَا الْمُصِيبَ، وَلَا أَنْ يَذُمَّا الْمُخْطِئَ لِأَنَّ ذَلِكَ يُخِلُّ بِالنَّشَاطِ، وَتَنْفَسِخُ الْمُنَاضَلَةُ بِمَوْتِ الرَّامِي كَالْأَجِيرِ الْمُعَيَّنِ، وَيَنْفَسِخُ عَقْدُ الْمُسَابَقَةِ بِمَوْتِ الْفَرَسِ، لَا بِمَوْتِ الْفَارِسِ؛ لِأَنَّ التَّعْوِيلَ فِيهَا عَلَى الْفَرَسِ، وَيَتَوَلَّى الْمُسَابَقَةَ الْوَارِثُ عَنْهُ الْخَاصُّ، وَإِلَّا فَالْعَامُّ، وَيُؤَخَّرُ الرَّمْيُ فِي الْمُنَاضَلَةِ لِلْمَرَضِ وَنَحْوِهِ، وَلَا تَنْفَسِخُ بِذَلِكَ، وَلَوْ امْتَنَعَ الْمَنْضُولُ مِنْ إتْمَامِ الْعَمَلِ حُبِسَ عَلَى ذَلِكَ وَعُزِّرَ، وَكَذَا النَّاضِلُ إنْ تَوَقَّعَ صَاحِبُهُ إدْرَاكَهُ، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ رَمْيِ صَاحِبِهِ مِنْ التَّبَاطُؤِ بِالرَّمْيِ، وَلَا يُدْهَشُ اسْتِعْجَالًا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ الْمُسَابَقَةُ أَوْ الْمُنَاضَلَةُ بِالصَّبِيِّ بِمَالِهِ وَإِنْ اسْتَفَادَ بِهِمَا التَّعَلُّمَ نَعَمْ إنْ كَانَ مِنْ أَوْلَادِ الْمُرْتَزِقَةِ وَقَدْ رَاهَقَ فَيَنْبَغِي كَمَا قَالَ الْأَذْرَعِيُّ الْجَوَازُ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ قَدْ أَثْبَتَ اسْمَهُ فِي الدِّيوَانِ وَكَذَا فِي السَّفِيهِ الْبَالِغِ، لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ، لَوْ عَقَدَا فِي الصِّحَّةِ وَدَفَعَا الْعِوَضَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ فَالْعِوَضُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَالْأُجْرَةِ، أَوْ عَقَدَا فِي الْمَرَضِ بِعِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَعِوَضُ الْمِثْلِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَبَرُّعًا وَلَا مُحَابَاةَ فِيهِ وَإِنْ زَادَ عَلَى عِوَضِ الْمِثْلِ عَادَةً فَالزِّيَادَةُ مِنْ الثُّلُثِ؛ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ، وَلَا يَجُوزُ بَذْلُ مَالٍ عَلَى حَطِّ الْفَضْلِ لِأَنَّهُ لَا يُقَابَلُ بِمَالٍ، وَلَا عَقْدُ الشَّرِكَةِ فِي الْمَالِ الْمَشْرُوطِ لِأَجْنَبِيٍّ فِيمَا غَرِمَ الْمُنَاضِلُ أَوْ غَنِمَ؛ لِأَنَّ الْغُرْمَ وَالْغُنْمَ فِي ذَلِكَ مُسَبَّبَانِ عَنْ الْعَمَلِ، وَهَذَا الْأَجْنَبِيُّ لَا يَعْمَلُ، وَلَا أَنْ تُحْسَبَ لِأَحَدِهِمَا الْإِصَابَةُ بِإِصَابَتَيْنِ ، وَلَا أَنْ يُحَطَّ مِنْ إصَابَتِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الْمُعَامَلَةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى التَّسَاوِي، وَلَوْ سَأَلَ أَحَدُهُمَا وَضْعَ الْمَالِ الْمُلْتَزَمِ عِنْدَ عَدْلٍ وَالْآخَرُ تَرْكَهُ عِنْدَهُمَا، وَهُوَ عَيْنٌ‏.‏ أُجِيبَ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ اخْتَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَدْلًا اخْتَارَ الْحَاكِمُ عَدْلًا قَطْعًا لِلنِّزَاعِ، وَهَلْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُ الْعَدْلَيْنِ أَوْ لَا‏؟‏‏.‏ وَجْهَانِ أَوْجَهُهُمَا - كَمَا قَالَ شَيْخُنَا - الثَّانِي، وَلَا أُجْرَةَ لِلْعَدْلِ وَإِنْ جَرَتْ بِهَا عَادَةٌ كَمَا فِي الْخَيَّاطِ وَالْغَسَّالِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي مَكَانِ الْمُحَلِّلِ لَزِمَ تَوَسُّطُهُ، فَإِنْ تَنَازَعَ الْمُتَسَابِقَانِ فِي الْيَمِينِ وَالْيَسَارِ أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا، وَيُمْنَعُ أَحَدُهُمَا مِنْ أَذِيَّةِ صَاحِبِهِ بِالتَّبَجُّحِ وَالْفَخْرِ عَلَيْهِ، وَلَا يَجُوزُ شَرْطُ حَمْلِ أَحَدِهِمَا فِي يَدِهِ مِنْ النَّبْلِ أَكْثَرَ مِمَّا فِي يَدِ الْآخَرِ، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا حَثُّ الْفَرَسِ فِي السِّبَاقِ بِالسَّوْطِ وَتَحْرِيكِ اللِّجَامِ، وَلَا يَجْلُبُ عَلَيْهِ بِالصِّيَاحِ لِيَزِيدَ عَدْوُهُ، لِخَبَرِ ‏{‏لَا جَلَبَ وَلَا جَنَبَ‏}‏‏.‏ قَالَ الرَّافِعِيُّ وَذُكِرَ فِي مَعْنَى الْجَنَبِ أَنَّهُمْ كَانُوا يَجْنُبُونَ الْفَرَسَ حَتَّى إذَا قَارَبُوا الْأَمَدَ تَحَوَّلُوا عَنْ الْمَرْكُوبِ الَّذِي كُرِهَ بِالرُّكُوبِ إلَى الْجَنِيبَةِ فَنَهَوْا عَنْهُ‏.‏

كِتَابُ الْأَيْمَانِ

المتن‏:‏

لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ، وَرَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ، وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

كِتَابُ الْأَيْمَانِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ‏.‏ وَأَصْلُهَا فِي اللُّغَةِ الْيَدُ الْيَمِينُ، وَأُطْلِقَتْ عَلَى الْحَلِفِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا إذَا تَحَالَفُوا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِيَمِينِ صَاحِبِهِ، وَسُمِّيَ الْعُضْوُ بِالْيَمِينِ لِوُفُورِ قُوَّتِهِ، قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ‏}‏ أَيْ بِالْقُوَّةِ‏.‏ وَلَمَّا كَانَ الْحَلِفُ يُقَوِّي الْحِنْثَ عَلَى الْوُجُودِ أَوْ الْعَدَمِ سُمِّيَ يَمِينًا، وَقِيلَ‏:‏ لِأَنَّهَا تَحْفَظُ الشَّيْءَ عَلَى الْحَالِفِ، كَمَا تَحْفَظُهُ الْيَدُ، وَفِي الِاصْطِلَاحِ تَحْقِيقُ أَمْرٍ غَيْرِ ثَابِتٍ مَاضِيًا كَانَ أَوْ مُسْتَقْبَلًا نَفْيًا أَوْ إثْبَاتًا مُمْكِنًا كَحَلِفِهِ لَيَدْخُلَنَّ الدَّارَ، أَوْ مُمْتَنِعًا كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ، صَادِقَةً كَانَتْ أَوْ كَاذِبَةً مَعَ الْعِلْمِ بِالْحَالِ أَوْ الْجَهْلِ بِهِ، وَخَرَجَ بِالتَّحْقِيقِ لَغْوُ الْيَمِينِ فَلَيْسَتْ يَمِينًا كَمَا سَيَأْتِي، وَبِغَيْرِ ثَابِتٍ، الثَّابِتُ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ، لِتَحَقُّقِهِ فِي نَفْسِهِ فَلَا مَعْنَى لِتَحْقِيقِهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْحِنْثُ، وَفَارَقَ انْعِقَادَهَا بِمَا لَا يُتَصَوَّرُ فِيهِ الْبِرُّ كَحَلِفِهِ لَيَقْتُلَنَّ الْمَيِّتَ بِأَنَّ امْتِنَاعَ الْحِنْثِ لَا يُخِلُّ بِتَعْظِيمِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَامْتِنَاعَ الْبِرِّ يُخِلُّ بِهِ فَيُحْوِجُ إلَى التَّكْفِيرِ، وَيَكُونُ الْيَمِينُ أَيْضًا لِلتَّأْكِيدِ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ قَبْلَ الْإِجْمَاعِ آيَاتٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ‏}‏ وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا‏}‏ وَأَخْبَارٌ مِنْهَا ‏{‏أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَانَ يَحْلِفُ لَا وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ، قُرَيْشًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ‏:‏ إنْ شَاءَ اللَّهُ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَالْيَمِينُ، وَالْقَسَمُ، وَالْإِيلَاءُ، وَالْحَلِفُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ‏.‏ تَنْبِيهٌ ‏:‏ أَهْمَلَ الْمُصَنِّفُ ضَابِطَ الْحَالِفِ اسْتِغْنَاءً بِمَا سَبَقَ مِنْهُ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ، وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ، وَالْأَضْبَطُ أَنْ يُقَالَ‏:‏ مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ فَلَا تَنْعَقِدُ يَمِينُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ وَلَا الْمُكْرَهِ وَلَا يَمِينُ اللَّغْوِ‏.‏ ثُمَّ شَرَعَ فِيمَا تَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِهِ، فَقَالَ ‏(‏لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَةٍ لَهُ‏)‏ بِأَنْ يَحْلِفَ بِمَا مَفْهُومُهُ الذَّاتُ أَوْ الصِّفَةُ، فَالذَّاتُ ‏(‏كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ‏)‏ بِجَرٍّ أَوْ نَصْبٍ أَوْ رَفْعٍ، سَوَاءٌ تَعَمَّدَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَالصِّفَةُ كَقَوْلِهِ ‏(‏وَرَبِّ الْعَالَمِينَ‏)‏ أَيْ مَالِكِ الْمَخْلُوقَاتِ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ عَلَامَةٌ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ ‏(‏وَالْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ نَفْسِي بِيَدِهِ‏)‏ أَيْ بِقُدْرَتِهِ يُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ ‏(‏وَكُلِّ اسْمٍ مُخْتَصٍّ بِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى‏)‏ غَيْرِ مَا ذُكِرَ كَالْإِلَهِ، وَمَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، وَاَلَّذِي أَعْبُدُهُ أَوْ أَسْجُدُ لَهُ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ مَعْقُودَةٌ بِمَنْ عَظُمَتْ حُرْمَتُهُ وَلَزِمَتْ طَاعَتُهُ، وَإِطْلَاقُ هَذَا مُخْتَصٌّ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏:‏ فَلَا تَنْعَقِدُ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَوَحَقِّ النَّبِيِّ، وَجِبْرِيلَ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالْكَعْبَةِ، وَفِي الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏إنَّ اللَّهَ يَنْهَاكُمْ أَنْ تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ فَمَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَصْمُتْ‏}‏ وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَكْرُوهٌ، وَمَا رَوَى الْحَاكِمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَرَ‏}‏ وَرُوِيَ ‏"‏ فَقَدْ أَشْرَكَ ‏"‏ حُمِلَ عَلَى مَنْ اعْتَقَدَ فِيمَا حَلَفَ بِهِ مِنْ التَّعْظِيمِ مَا يَعْتَقِدُهُ فِي اللَّهِ تَعَالَى‏.‏

المتن‏:‏

وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ‏:‏ لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ‏)‏ فِي هَذَا الْقَسَمِ ‏(‏لَمْ أُرِدْ بِهِ الْيَمِينَ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَا تَحْمِلُ غَيْرَهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ هُنَا مِنْ صَرَاحَةِ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ وَأَنَّهُ إنْ نَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ لَمْ يُقْبَلْ هُوَ الْمَعْرُوفُ، لَكِنْ ذَكَرَا عِنْدَ حُرُوفِ الْقَسَمِ فِيمَا لَوْ قَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ أَنَّهُ يُقْبَلُ ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَيُحْمَلُ كَلَامُهُ هُنَا أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ إرَادَةُ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَلَا بَاطِنًا؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ بِذَلِكَ لَا تَحْتَمِلُ غَيْرَهُ، وَإِنَّمَا قُبِلَ مِنْهُ هُنَا إرَادَةُ غَيْرِ الْيَمِينِ، بِخِلَافِ الطَّلَاقِ وَالْإِيلَاءِ وَالْعَتَاقِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ غَيْرِهِ بِهِ؛ وَلِأَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بِإِجْرَاءِ لَفْظِ الْيَمِينِ بِلَا قَصْدٍ، بِخِلَافِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ، فَدَعْوَاهُ فِيهَا تُخَالِفُ الظَّاهِرَ فَلَا يُقْصَدُ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى قَصْدِ الْيَمِينِ لَمْ يُصَدَّقْ ظَاهِرًا‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

التَّوْرِيَةُ فِي الْأَيْمَانِ نَافِعَةٌ، وَالْعِبْرَةُ فِيهَا بِنِيَّةِ الْحَالِفِ إلَّا إذَا اسْتَحْلَفَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الدَّعَاوَى، وَهِيَ وَإِنْ كَانَ لَا يَحْنَثُ بِهَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهَا حَيْثُ يَبْطُلُ بِهَا حَقُّ الْمُسْتَحِقِّ بِالْإِجْمَاعِ، فَمِنْ التَّوْرِيَةِ أَنْ يَنْوِيَ بِاللِّبَاسِ اللَّيْلَ، وَبِالْفِرَاشِ وَالْبِسَاطِ الْأَرْضَ، وَبِالْأَوْتَادِ الْجِبَالَ، وَبِالسَّقْفِ وَالْبِنَاءِ السَّمَاءَ، وَبِالْآخِرَةِ آخِرَةَ الْإِسْلَامِ، وَمَا ذَكَرْتُ فُلَانًا‏:‏ أَيْ مَا قَطَعْتُ ذَكَرَهُ، وَمَا عَرَفْتُهُ مَا جَعَلْتُ عَرِيفًا، وَمَا سَأَلْتُهُ حَاجَةً‏:‏ أَيْ شَجَرَةً صَغِيرَةً وَمَا أَكَلْت لَهُ دَجَاجَةً‏:‏ أَيْ كُبَّةً مِنْ غَزْلٍ، وَلَا فَرُّوجَةً أَيْ دُرَّاعَةً، وَلَا فِي بَيْتِي فُرُشٌ‏:‏ أَيْ صِغَارُ الْإِبِلِ، وَلَا حَصِيرٌ‏:‏ أَيْ الْمِلْكُ، وَمَا لَهُ عِنْدِي جَارِيَةٌ‏:‏ أَيْ سَفِينَةٌ، وَمَا عِنْدِي كَلْبٌ‏:‏ أَيْ مِسْمَارٌ فِي قَائِمِ السَّيْفِ، وَكُلُّ هَذَا يَجْمَعُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏إنَّ فِي الْمَعَارِيضِ لَمَنْدُوحَةً مِنْ الْكَذِبِ‏}‏ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ فِي الْمَعَارِيضِ مَا يُغْنِي الْمُسْلِمَ عَنْ الْكَذِبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا‏:‏ مَا أُحِبُّ بِمَعَارِيضِ الْكَلَامِ حُمُرَ الْوَحْشِ، وَقَدْ حُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَانَ لَهُ جَارِيَةٌ يَطَؤُهَا سِرًّا مِنْ أَهْلِهِ، فَوَطِئَهَا لَيْلَةً، وَأَرَادَ أَنْ يَغْتَسِلَ، وَكَرِهَ أَنْ يَعْلَمَ أَهْلُهُ‏.‏ فَقَالَ‏:‏ إنَّ مَرْيَمَ بِنْتَ عِمْرَانَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَتْ تَغْتَسِلُ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ فَلَمْ يَبْقَ فِي مَنْزِلِهِ أَحَدٌ إلَّا اغْتَسَلَ، وَاغْتَسَلَ هُوَ مَعَهُمْ، وَكَانَتْ مَرْيَمُ تَغْتَسِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ،‏.‏ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ قَدْ خَطَّ فِي بَيْتِهِ مَسْجِدًا، فَإِذَا جَاءَ مَنْ لَا يُرِيدُ دُخُولَهُ عَلَيْهِ قَالَ لِلْجَارِيَةِ قَوْلِي‏:‏ هُوَ فِي الْمَسْجِدِ،‏.‏ وَحَضَرَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ مَجْلِسَ الْمَهْدِيِّ فَحَلَفَ لَهُ أَنَّهُ يَعُودُ إلَيْهِ، ثُمَّ نَهَضَ وَتَرَكَ نَعْلَهُ كَالنَّاسِي لَهُ، ثُمَّ رَجَعَ مِنْ سَاعَتِهِ فَأَخَذَهُ، وَخَرَجَ فَلَمْ يَرَهُ بَعْدَهَا‏.‏

المتن‏:‏

وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ كَالرَّحِيمِ، وَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ إلَّا أَنْ يُرِيدَ غَيْرَهُ، وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ‏:‏ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ وَالْعَالِمِ وَالْحَيِّ لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةِ، وَالصِّفَةُ كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ، وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَمَا انْصَرَفَ إلَيْهِ سُبْحَانَهُ‏)‏ وَتَعَالَى ‏(‏عِنْدَ الْإِطْلَاقِ‏)‏ وَيُصْرَفُ إلَى غَيْرِهِ مُقَيَّدًا ‏(‏كَالرَّحِيمِ وَالْخَالِقِ وَالرَّازِقِ‏)‏ وَالْجَبَّارِ وَالْمُتَكَبِّرِ وَالْقَاهِرِ وَالْقَادِرِ وَالْحَقِّ ‏(‏وَالرَّبِّ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ‏)‏ سَوَاءٌ أَقَصَدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَمْ أَطْلَقَ؛ لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ تَعَالَى‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

الْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَنَحْوِهَا لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَلَا لِلْعَهْدِ بَلْ لِلْكَمَالِ‏.‏ قَالَ سِيبَوَيْهِ‏:‏ تَكُونُ لَامُ التَّعْرِيفِ لِلْكَمَالِ تَقُولُ‏:‏ زَيْدٌ الرَّجُلُ تُرِيدُ الْكَامِلَ، فِي الرُّجُولِيَّةِ، وَكَذَا هِيَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِذَا قُلْت الرَّحْمَنُ‏:‏ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الرَّحْمَةِ، وَالْعَلِيمُ‏:‏ أَيْ الْكَامِلُ فِي مَعْنَى الْعِلْمِ، وَكَذَا تَتِمَّةُ الْأَسْمَاءِ ‏(‏إلَّا أَنْ يُرِيدَ‏)‏ الْحَالِفُ ‏(‏غَيْرَهُ‏)‏ تَعَالَى فَيُقْبَلُ، وَلَا يَكُونُ يَمِينًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي حَقِّ غَيْرِهِ مُقَيَّدًا‏:‏ كَرَحِيمِ الْقَلْبِ، وَخَالِقِ الْكَذِبِ وَرَازِقِ الْجَيْشِ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَتَخْلُقُونَ إفْكًا‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ‏}‏ وَرَبِّ الْإِبِلِ ‏(‏وَمَا اُسْتُعْمِلَ فِيهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏وَفِي غَيْرِهِ‏)‏ اسْتِعْمَالُهُ ‏(‏سَوَاءٌ كَالشَّيْءِ وَالْمَوْجُودِ‏)‏ وَكَالسَّمِيعِ وَالْبَصِيرِ ‏(‏وَالْعَالِمِ‏)‏ بِكَسْرِ اللَّامِ ‏(‏وَالْحَيِّ‏)‏ الْغَنِيِّ وَالْكَرِيمِ ‏(‏لَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ‏)‏؛ لِأَنَّهَا لَمَّا اُسْتُعْمِلَتْ فِيهِ، وَفِي غَيْرِهِ سَوَاءً أَشْبَهَتْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ، فَإِنْ نَوَاهُ تَعَالَى فَهُوَ يَمِينٌ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَرَادَ بِهَا غَيْرَهُ أَوْ أَطْلَقَ ‏(‏وَالصِّفَةُ‏)‏ الذَّاتِيَّةُ ‏(‏كَوَعَظَمَةِ اللَّهِ‏)‏ تَعَالَى ‏(‏وَعِزَّتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَكَلَامِهِ وَعِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ يَمِينٌ‏)‏ بِشَرْطِ أَنْ يَأْتِيَ بِالظَّاهِرِ بَدَلَ الْمُضْمَرِ فِي السِّتَّةِ؛ لِأَنَّهَا صِفَاتٌ لَمْ يَزَلْ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَوْصُوفًا بِهَا فَأَشْبَهَتْ الْأَسْمَاءَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ، وَهَذِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْ الصِّفَاتِ الَّتِي جُمْلَتُهَا عِنْدَ الْأَشَاعِرَةِ ثَمَانِيَةٌ مَجْمُوعَةٌ فِي قَوْلِ النَّاظِمِ‏:‏ حَيَاةٌ وَعِلْمٌ قُدْرَةٌ وَإِرَادَةٌ كَلَامٌ وَإِبْصَارٌ وَسَمْعٌ مَعَ الْبَقَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

قَدْ عُلِمَ بِمَا فَسَّرَ بِهِ الصِّفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْمِ جَمِيعُ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْحُسْنَى التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ سَوَاءٌ الْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ ذَاتِهِ كَالسَّمِيعِ، وَالْبَصِيرِ، وَالْعَالِمِ، وَالْقَادِرِ، وَالْمُشْتَقُّ مِنْ صِفَاتِ الْفِعْلِ كَالْخَالِقِ، وَالرَّازِقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ صِفَتَيْ الذَّاتِ، وَالْفِعْلِ أَنَّ الْأُولَى مَا اسْتَحَقَّهُ فِي الْأَزَلِ، وَالثَّانِيَةَ مَا اسْتَحَقَّهُ فِيمَا لَا يَزَالُ دُونَ الْأَزَلِ يُقَالُ‏:‏ عَالِمٌ فِي الْأَزَلِ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ رَازِقٌ فِي الْأَزَلِ إلَّا تَوَسُّعًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ الْأَمْرُ ‏(‏إلَّا أَنْ يَنْوِيَ‏)‏ أَيْ يُرِيدَ ‏(‏بِالْعِلْمِ الْمَعْلُومَ‏)‏ كَمَا يُقَالُ‏:‏ اغْفِرْ لَنَا عِلْمَكَ فِينَا‏:‏ أَيْ مَعْلُومَك بِهِ ‏(‏وَبِالْقُدْرَةِ الْمَقْدُورَ‏)‏ كَمَا يُقَالُ‏:‏ اُنْظُرْ لِقُدْرَةِ اللَّهِ‏:‏ أَيْ مَقْدُورِهِ فَلَا يَكُونُ يَمِينًا فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ، وَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ وَمَعْلُومِ اللَّهِ وَمَقْدُورِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ مُحْتَمِلٌ لَهُ، وَمَا جَزَمَ بِهِ مِنْ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ صِفَةٌ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَبَنَى عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ مَنْعَ قَوْلِهِمْ‏:‏ سُبْحَانَ مَنْ تَوَاضَعَ كُلُّ شَيْءٍ لِعَظَمَتِهِ‏.‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّ التَّوَاضُعَ لِلصِّفَةِ عِبَادَةٌ لَهَا، وَلَا يُعْبَدُ إلَّا الذَّاتُ، وَمَنَعَ الْقَرَافِيُّ ذَلِكَ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ الصَّحِيحُ أَنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ الْمَجْمُوعُ مِنْ الذَّاتِ وَالصِّفَاتِ فَالْمَعْبُودُ مَجْمُوعُهُمَا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

ظَاهِرُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الِاسْتِثْنَاءِ بِهَاتَيْنِ الصِّفَتَيْنِ الْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ دُونَ مَا قَبْلَهُمَا مِنْ الصِّفَاتِ؛ إذْ يُتَخَيَّلُ فِيهَا مِثْلُ هَذَا الِاحْتِمَالِ، وَهُوَ وَجْهٌ جَزَمَ بِهِ كَثِيرُونَ، وَالْأَصَحُّ كَمَا فِي الشَّرْحَيْنِ وَالرَّوْضَةِ عَدَمُ الْفَرْقِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُقَالُ‏:‏ عَايَنْتُ عَظَمَةَ اللَّهِ وَكِبْرِيَاءَهُ، وَيُشِيرُ إلَى أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وَقَدْ يُرَادُ، بِالْجَلَالِ وَالْعِزَّةِ وَالْكِبْرِيَاءِ ظُهُورُ أَثَرِهَا عَلَى الْمَخْلُوقَاتِ، وَبِالْكَلَامِ الْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الدَّالَّةُ عَلَيْهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ‏}‏ وَإِنَّمَا يَسْمَعُ الْأَصْوَاتَ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ وَحَقِّ اللَّهِ فَيَمِينٌ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْعِبَادَاتِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ الْحَالِفُ فِي يَمِينِهِ ‏(‏وَحَقِّ اللَّهِ‏)‏ بِالْجَرِّ ‏(‏فَيَمِينٌ‏)‏ إنْ نَوَى الْيَمِينَ قَطْعًا، وَكَذَا إنْ أَطْلَقَ فِي الْأَصَحِّ لِغَلَبَةِ اسْتِعْمَالِهِ فِي الْيَمِينِ، فَنَزَلَ الْإِطْلَاقُ عَلَيْهِ‏.‏ قَالَ الْمَرْوَزِيُّ‏:‏ وَمَعْنَاهُ وَحَقِّيَّةِ الْإِلَهِيَّةِ، لِأَنَّ الْحَقَّ مَا لَا يُمْكِنُ جُحُودُهُ فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَالَ غَيْرُهُ‏:‏ حَقُّ اللَّهِ هُوَ الْقُرْآنُ‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ‏}‏ وَالْحَلِفُ بِالْقُرْآنِ يَمِينٌ فِي صُورَةِ الْإِطْلَاقِ، فَكَذَا مَا نَحْنُ فِيهِ ‏(‏إلَّا أَنْ يُرِيدَ‏)‏ بِالْحَقِّ ‏(‏الْعِبَادَاتِ‏)‏ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا قَطْعًا؛ لِأَنَّ الْعِبَادَاتِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَلَيْسَتْ صِفَةً لَهُ تَعَالَى، فَإِنْ رَفَعَ الْحَقَّ أَوْ نَصَبَهُ فَكِنَايَةٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ اسْتِحْقَاقِ الطَّاعَةِ، وَالْإِلَهِيَّةِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ‏.‏ وَلَوْ حَلَفَ الْمُسْلِمُ بِآيَةٍ مَنْسُوخَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ بِالتَّوْرَاةِ أَوْ الْإِنْجِيلِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ، وَتَنْعَقِدُ الْيَمِينُ بِقَوْلِهِ‏:‏ وَكِتَابِ اللَّهِ أَوْ قُرْآنِ اللَّهِ كَمَا نَقَلَاهُ عَنْ الْبَغَوِيِّ وَأَقَرَّاهُ‏.‏ قَالَا‏:‏ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ الْمَرْوَزِيُّ‏:‏ وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ وَالْقُرْآنِ أَوْ الْمُثْبَتِ فِي الْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِالْقُرْآنِ الْخُطْبَةَ أَوْ الصَّلَاةَ، وَبِقَوْلِهِ‏:‏ وَالْمُصْحَفِ إلَّا أَنْ يُرِيدَ الْوَرَقَ أَوْ الْجِلْدَ‏.‏

فَائِدَةٌ‏:‏

قَالَ ابْنُ الرِّفْعَةِ‏:‏ يَقْتَضِي كَلَامُ الْمَحَامِلِيِّ وَالْمَاوَرْدِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَالرُّويَانِيِّ أَنَّ الْحَلِفَ بِالطَّالِبِ الْغَالِبِ يَمِينٌ صَرِيحَةٌ؛ لِأَنَّ فِيهَا تَنْبِيهًا عَلَى اسْتِجْلَابِ‏.‏ مَنَافِعِهِ وَاسْتِدْفَاعِ مَضَارِّهِ، قَالَ‏:‏ وَسَمَاعِي مِنْ أَقْضَى الْقُضَاةِ الْجَمَّالِ يَحْيَى بْنِ الْحُسَيْنِ خَلِيفَةِ الْحَكَمِ الْعَزِيزِ بِمِصْرَ أَنَّ الْحَلِفَ بِذَلِكَ لَا يُشْرَعُ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ، وَيُوَجِّهُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ طَالِبًا غَالِبًا فَأَسْمَاؤُهُ تَعَالَى تَوْقِيفِيَّةٌ، وَلَمْ تَرِدْ تَسْمِيَتُهُ بِذَلِكَ ا هـ‏.‏

قَالَ الدَّمِيرِيُّ‏:‏ كَانَ الْجَمَالُ يَحْيَى مِنْ صُدُورِ الشَّافِعِيَّةِ نَائِبًا عَنْ قَاضِي الْقُضَاةِ ابْنِ رَزِينٍ، قَالَ لَهُ يَوْمًا قَاضِي الْقُضَاةِ‏:‏ لَوْ أَرَدْتُ عَزَلْتُكَ قَالَ لَا تُطِيقُ ذَلِكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَلِمَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ كُنَّا يَوْمًا عِنْدَ الْفَقِيهِ أَبِي طَاهِرٍ فَحَصَلَتْ لَهُ حَالَةٌ‏.‏ فَقَالَ مَنْ لَهُ حَاجَةٌ يَذْكُرُهَا‏.‏ فَقُلْت أَنَا أُرِيدُ أَنْ أَكُونَ نَائِبَ حُكْمٍ وَلَا يَعْزِلَنِي أَحَدٌ‏.‏ فَقَالَ لَك ذَلِكَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ‏:‏ وَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْحُكَّامِ مِنْ تَغْلِيظِ الْأَيْمَانِ وَتَوْكِيدِهَا إذَا حَلَّفُوا الرَّجُلَ أَنْ يَقُولُوا‏:‏ بِاَللَّهِ الطَّالِبِ الْغَالِبِ الْمُدْرِكِ الْمُهْلِكِ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطْلَقَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يُعَدَّ ذَلِكَ فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ لَجَازَ فِي أَسْمَائِهِ الْمُخْزِي وَالْمُضِلُّ؛ لِأَنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّ اللَّهَ مُخْزِي الْكَافِرِينَ‏}‏ وَقَالَ‏:‏ ‏{‏كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ‏}‏‏.‏

المتن‏:‏

وَحُرُوفُ الْقَسَمِ بَاءٌ وَوَاوٌ وَتَاءٌ‏:‏ كَبِاللَّهِ وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ، وَتَخْتَصُّ التَّاءُ بِاَللَّهِ تَعَالَى‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَحُرُوفُ الْقَسَمِ‏)‏ ثَلَاثَةٌ ‏(‏بَاءٌ‏)‏ مُوَحَّدَةٌ ‏(‏وَوَاوٌ، وَتَاءٌ‏)‏ فَوْقَانِيَّةٌ لِاشْتِهَارِهَا فِيهِ شَرْعًا وَعُرْفًا ‏(‏كَ بِاَللَّهِ، وَوَاللَّهِ وَتَاللَّهِ‏)‏ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَزَادَ الْمَحَامِلِيُّ وَالشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَلِفَ نَحْوَ اللَّهِ بَدَلَ الْهَمْزَةِ، وَسَيَأْتِي كِنَايَةً، وَالْأَصْلُ الْبَاءُ الْمُوَحَّدَةُ، ثُمَّ الْوَاوُ ثُمَّ التَّاءُ الْفَوْقِيَّةُ كَمَا ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كَذَلِكَ لِإِبْدَالِ التَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ مِنْ الْوَاوِ وَالْوَاوِ مِنْ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَلِدُخُولِهَا عَلَى الْمُضْمَرِ كَالْمُظْهَرِ تَقُولُ‏:‏ حَلَفْتُ بِكَ، وَبِهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَالْوَاوُ تَخْتَصُّ بِالْمُظْهَرِ ‏(‏وَتَخْتَصُّ التَّاءُ‏)‏ الْفَوْقِيَّةُ ‏(‏بِاَللَّهِ تَعَالَى‏)‏؛ لِأَنَّ الْبَاءَ لَمَّا كَانَتْ الْأَصْلُ فِي الْقَسَمِ، وَالْوَاوُ بَدَلٌ مِنْهَا، وَالتَّاءُ بَدَلٌ مِنْ الْوَاوِ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا عَنْ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ، فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا يَدْخُلَانِ عَلَيْهِ سِوَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى‏.‏ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ‏}‏ قَالَ ابْنُ الْخَشَّابِ‏:‏ إنَّ التَّاءَ وَإِنْ ضَاقَ تَصَرُّفُهَا فَلَمْ تَدْخُلْ إلَّا عَلَى اسْمٍ وَاحِدٍ فَقَدْ بُورِكَ لَهَا فِي اخْتِصَاصِهَا بِأَشْرَفِ الْأَسْمَاءِ وَأَجَلِّهَا فَلَا تَدْخُلُ عَلَى غَيْرِ لَفْظِ اللَّهِ‏:‏ أَيْ لُغَةً فَلَا يُقَالُ‏:‏ تَرَبِّكَ‏.‏ وَقَالَ ابْنُ مَالِكٍ‏:‏ حَكَى الْأَخْفَشُ تَرَبِّ الْكَعْبَةِ وَهُوَ شَاذٌّ‏.‏ وَأَمَّا مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ تَالرَّحْمَنِ أَوْ الرَّحِيمِ انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ كَمَا قَالَهُ الْبُلْقِينِيُّ، غَايَتُهُ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ شَاذًّا، فَإِنْ أَرَادَ غَيْرَ الْيَمِينِ قُبِلَ مِنْهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ أَوْ وَاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَنَوَى غَيْرَ الْيَمِينِ كَاسْتَعَنْتُ بِاَللَّهِ أَوْ اعْتَصَمْت أَوْ وَاَللَّهِ الْمُسْتَعَانِ لَمْ يَكُنْ يَمِينًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ‏:‏ وَيَخْتَصُّ بِاَللَّهِ بِالتَّاءِ؛ لِأَنَّ الشَّائِعَ أَنَّ فِعْلَ الِاخْتِصَاصِ إنَّمَا يَدْخُلُ عَلَى الْمَقْصُورِ فِي الْمَشْهُورِ، وَذَلِكَ فِي التَّاءِ لَا فِي اللَّهِ وَإِنْ جَازَ دُخُولُهُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْبَاءُ وَالْوَاوُ، وَعِبَارَتُهُ تَقْتَضِي أَنَّ اللَّهَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُ التَّاءِ، وَهُوَ مُدَافِعٌ لِكَلَامِهِ السَّابِقِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ أَللَّهُ وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ‏)‏ حَذَفَ الْحَالِفُ حَرْفَ الْقَسَمِ وَ ‏(‏قَالَ‏:‏ آللَّهِ‏)‏ بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ أَوْ بِدُونِهَا ‏(‏وَرَفَعَ أَوْ نَصَبَ أَوْ جَرَّ‏)‏ أَوْ سَكَّنَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا ‏(‏فَلَيْسَ بِيَمِينٍ إلَّا بِنِيَّةٍ‏)‏ لَهَا، وَاللَّحْنُ لَا يَمْنَعُ انْعِقَادَ الْيَمِينِ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الرَّفْعِ لَا لَحْنَ فِيهِ، فَالنَّصْبُ بِنَزْعِ الْخَافِضِ وَالْجَرُّ بِحَذْفِهِ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ‏.‏ قَالَ سِيبَوَيْهِ‏:‏ وَلَا يَجُوزُ حَذْفُ حَرْفِ الْجَرِّ وَإِبْقَاءِ عَمَلِهِ إلَّا فِي الْقَسَمِ وَالتَّسْكِينِ بِإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ، وَأَمَّا الرَّفْعُ فَيَصِحُّ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاءَ كَلَامٍ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

أَفْهَمَ كَلَامُهُ أَنَّ التَّصْرِيحَ بِحَرْفِ الْقَسَمِ تَنْعَقِدُ بِهِ الْيَمِينُ بِلَا نِيَّةٍ، سَوَاءٌ أَرَفَعَ أَمْ نَصَبَ أَمْ جَرَّ، وَهُوَ كَذَلِكَ، وَالْخَطَأُ فِي الْإِعْرَابِ لَا يَمْنَعُ صَرَاحَةَ الْيَمِينِ بِذَلِكَ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ فَاَللَّهِ بِالْفَاءِ أَوْ يَا اللَّهِ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ مِنْ تَحْتُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا كَانَ كِنَايَةً، وَجْهُ كَوْنِهِ يَمِينًا فِي الثَّانِيَةِ بِحَذْفِ الْمُنَادَى، وَكَأَنَّهُ قَالَ‏:‏ يَا قَوْمُ أَوْ يَا رَجُلُ‏.‏ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ الْيَمِينَ، وَلَوْ قَالَ لَهُ الْقَاضِي قُلْ‏:‏ وَاَللَّهِ، فَقَالَ تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ أَوْ وَالرَّحْمَنِ لَمْ يُحْسَبْ يَمِينًا لِمُخَالَفَتِهِ التَّحْلِيفَ، وَقَضِيَّةُ التَّعْلِيلِ أَنَّهُ لَا يُحْسَبُ يَمِينًا فِيمَا لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ قُلْ‏:‏ تَاللَّهِ بِالْمُثَنَّاةِ، فَقَالَ‏:‏ بِاَللَّهِ بِالْمُوَحَّدَةِ، أَوْ قُلْ‏:‏ بِاَللَّهِ، فَقَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ وَهُوَ الظَّاهِرُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بِاَللَّهِ بِحَذْفِ الْأَلِفِ بَعْدَ اللَّامِ الْمُشَدَّدَةِ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ‏:‏ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكُونَ يَمِينًا وَإِنْ نَوَاهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ صِفَتِهِ، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذَا لَحْنٌ مَمْنُوعٌ؛ لِأَنَّ اللَّحْنَ مُخَالَفَةُ صَوَابِ الْإِعْرَابِ، بَلْ هَذِهِ كَلِمَةٌ أُخْرَى، وَقَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ لَيْسَ هُوَ لَحْنًا بَلْ لُغَةً، حَكَاهَا الزَّجَّاجِيُّ‏:‏ وَهِيَ شَائِعَةٌ، فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ يَمِينًا عِنْدَ الْإِطْلَاقِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَلَوْ اسْتَحْضَرَ النَّوَوِيُّ مَا قَالَهُ ابْنُ الصَّلَاحِ لَمَا قَالَ مَا قَالَ، وَجَزَمَ فِي الْأَنْوَارِ بِمَا نَقَلَهُ الرَّافِعِيُّ عَنْ الْجُوَيْنِيِّ وَالْإِمَامِ وَالْغَزَالِيِّ مِنْ أَنَّهَا يَمِينٌ إنْ نَوَاهَا، وَيُحْمَلُ حَذْفُ الْأَلْفِ عَلَى اللَّحْنِ؛ لِأَنَّ الْكَلِمَةَ تَجْرِي كَذَلِكَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْعَوَامّ وَالْخَوَاصِّ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ كَلَامِ ابْنِ الصَّلَاحِ خِلَافًا لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ تَكُونُ بِمَعْنَى الرُّطُوبَةِ، فَلَا يَكُونُ يَمِينًا إلَّا بِنِيَّةٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ، أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ لَأَفْعَلَنَّ فَيَمِينٌ إنْ نَوَاهَا أَوْ أَطْلَقَ، وَإِنْ قَالَ قَصَدْتُ خَبَرًا مَاضِيًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا صُدِّقَ بَاطِنًا وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَقْسَمْت أَوْ أُقْسِمُ‏)‏ أَوْ آلَيْتُ أَوْ أُولِي ‏(‏أَوْ حَلَفْت أَوْ أَحْلِفُ بِاَللَّهِ‏)‏ الرَّاجِحُ لِكُلِّ الصُّوَرِ ‏(‏لَأَفْعَلَنَّ‏)‏ كَذَا ‏(‏فَيَمِينٌ‏)‏ قَطْعًا ‏(‏إنْ نَوَاهَا‏)‏ لِاطِّرَادِ الْعُرْفِ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فِي الْيَمِينِ، لَا سِيَّمَا ذَلِكَ وَقَدْ نَوَاهُ ‏(‏أَوْ أَطْلَقَ‏)‏ فِي الْأَصَحِّ لِكَثْرَةِ الِاسْتِعْمَالِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ‏}‏ ‏{‏فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ لَا يَكُونُ ذَلِكَ يَمِينًا؛ لِأَنَّ صَلَاحِيَّةَ أَقْسَمْتُ لِلْمَاضِي، وَأُقْسِمُ لِلْمُسْتَقْبَلِ، وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ‏:‏ بِاَللَّهِ مَا لَوْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِهِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ، وَإِنْ نَوَاهُ ‏(‏وَإِنْ قَالَ‏:‏ قَصَدْتُ‏)‏ بِصِيغَةِ الْمَاضِي السَّابِقَةِ ‏(‏خَبَرًا مَاضِيًا‏)‏ أَيْ الْإِخْبَارَ عَنْ يَمِينٍ مَاضِيَةٍ، ‏(‏أَوْ‏)‏ أَرَدْتُ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ السَّابِقَةِ ‏(‏مُسْتَقْبَلًا‏)‏ أَيْ يَمِينًا فِي الْمُسْتَقْبَلِ ‏(‏صُدِّقَ بَاطِنًا‏)‏ أَيْ دِينَ فِيهِ قَطْعًا حَتَّى لَا تَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِاحْتِمَالِ مَا يَدَّعِيهِ ‏(‏وَكَذَا ظَاهِرًا عَلَى الْمَذْهَبِ‏)‏ لِاحْتِمَالِ مَا نَوَاهُ، وَفِي قَوْلٍ‏:‏ لَا، وَبِهِ قَطَعَ بَعْضُهُمْ لِظُهُورِ اللَّفْظِ فِي الْإِنْشَاءِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَحَلُّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ لَهُ يَمِينٌ مَاضِيَةٌ وَإِلَّا قُبِلَ قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهَا قَطْعًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ‏)‏ شَخْصٌ ‏(‏لِغَيْرِهِ أُقْسِمُ عَلَيْكَ بِاَللَّهِ أَوْ أَسْأَلُك بِاَللَّهِ لَتَفْعَلَنَّ‏)‏ كَذَا ‏(‏وَأَرَادَ يَمِينَ نَفْسِهِ فَيَمِينٌ‏)‏ لِاشْتِهَارِهِ فِي أَلْسِنَةِ حَمَلَةِ الشَّرْعِ، وَيُسَنُّ لِلْمُخَاطَبِ إبْرَارُهُ فِيهِمَا إنْ لَمْ يَتَضَمَّنْ الْإِبْرَارُ ارْتِكَابَ مُحَرَّمٍ أَوْ مَكْرُوهٍ، فَإِنْ لَمْ يَبَرَّهُ فَالْكَفَّارَةُ عَلَى الْحَالِفِ ‏(‏وَإِلَّا‏)‏ بِأَنْ أَرَادَ يَمِينَ الْمُخَاطَبِ أَوْ لَمْ يُرِدْ يَمِينًا، بَلْ التَّشَفُّعَ إلَيْهِ أَوْ أَطْلَقَ ‏(‏فَلَا‏)‏ يَكُونُ يَمِينًا فِي الصُّوَرِ الثَّلَاثِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْلِفْ هُوَ، وَلَا الْمُخَاطَبُ، وَيُحْمَلُ عَلَى الشَّفَاعَةِ فِي فِعْلِهِ، وَيُكْرَهُ السُّؤَالُ بِوَجْهِ اللَّهِ، وَرُدَّ السَّائِلُ بِهِ لِحَدِيثِ ‏{‏لَا يُسْأَلُ بِوَجْهِ اللَّهِ إلَّا الْجَنَّةُ‏}‏ وَخَبَرِ ‏{‏مَنْ سَأَلَ بِاَللَّهِ تَعَالَى فَأَعْطُوهُ‏}‏‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ حَلَفَ شَخْصٌ بِاَللَّهِ، فَقَالَ آخَرُ‏:‏ يَمِينِي فِي يَمِينِكَ أَوْ يَلْزَمُنِي مَا يَلْزَمُكَ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ لِخُلُوِّ ذَلِكَ عَنْ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ الْيَمِينُ لَازِمَةٌ لِي لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى لِمَا مَرَّ، وَإِنْ قَالَ‏:‏ أَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي وَهِيَ بَيْعَةُ الْحَجَّاجِ، فَإِنَّ الْبَيْعَةَ كَانَتْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمُصَافَحَةِ فَلَمَّا وَلِيَ الْحَجَّاجُ رَتَّبَهَا أَيْمَانًا تَشْتَمِلُ عَلَى اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ وَإِنْ نَوَى، لِأَنَّ الصَّرِيحَ لَمْ يُوجَدْ وَالْكِنَايَةُ تَتَعَلَّقُ بِمَا يَتَضَمَّنُ إيقَاعًا، وَأَمَّا فِي الْتِزَامٍ فَلَا، إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الطَّلَاقَ وَالْعَتَاقَ فَيَلْزَمَهُ؛ لِأَنَّ لِلْكِنَايَةِ مَدْخَلًا فِيهِمَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَيْمَانُ الْبَيْعَةِ لَازِمَةٌ لِي بِطَلَاقِهَا وَعَتَاقِهَا وَحَجِّهَا وَصَدَقَتِهَا، فَفِي التَّتِمَّةِ أَنَّ الطَّلَاقَ لَا حُكْمَ لَهُ، لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ الْتِزَامُهُ، وَالْبَاقِي يَتَعَلَّقُ بِهِ الْحُكْمُ، إلَّا أَنَّهُ فِي الْحَجِّ وَالصَّدَقَةِ كَنَذْرِ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ‏.‏ وَقَوْلُ الْحَالِفِ‏:‏ لَاهَا اللَّهِ بِالْمَدِّ وَالْقَصْرِ كِنَايَةٌ إنْ نَوَى بِهِ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِي اللُّغَةِ لِعَدَمِ اشْتِهَارِهِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ وَاَيْمُ اللَّهِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَشْهُرُ مِنْ كَسْرِهَا وَوَصْلِ الْهَمْزَةِ، وَيَجُوزُ قَطْعُهَا، وَأَيْمُنِ اللَّهِ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ كُلٌّ مِنْهُمَا يَمِينًا إذَا أُطْلِقَ‏:‏ لِأَنَّهُ وَإِنْ اشْتَهَرَ فِي اللُّغَةِ وَوَرَدَ فِي الْخَبَرِ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا الْخَوَاصُّ، وَقَوْلُهُ‏:‏ لَعَمْرُ اللَّهِ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الْبَقَاءُ، وَالْحَيَاةُ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يَكُنْ صَرِيحًا لِأَنَّهُ يُطْلَقُ مَعَ ذَلِكَ عَلَى الْعِبَادَاتِ، وَقَوْلُهُ‏:‏ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ وَمِيثَاقِهِ وَأَمَانَتِهِ وَذِمَّتِهِ وَكَفَالَتِهِ كُلٌّ مِنْهَا كَذَلِكَ، سَوَاءٌ أَضَافَ الْمَعْطُوفَاتِ إلَى الضَّمِيرِ كَمَا مَثَّلَ، أَمْ إلَى الِاسْمِ الظَّاهِرِ، وَالْمُرَادُ بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا نَوَى بِهِ الْيَمِينَ اسْتِحْقَاقُهُ لِإِيجَابِ مَا أَوْجَبَهُ عَلَيْنَا وَتَعَبَّدَنَا بِهِ، وَإِذَا نَوَى بِهِ غَيْرَ الْعِبَادَاتِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا، وَقَدْ فُسِّرَ بِهَا الْأَمَانَةُ فِي قَوْله تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ‏}‏ فَإِنْ نَوَى الْيَمِينَ بِالْكُلِّ انْعَقَدَتْ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ تَأْكِيدٌ، فَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْحِنْثِ فِيهَا إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَلَوْ نَوَى بِكُلِّ لَفْظٍ يَمِينًا كَانَ يَمِينًا وَلَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا لَوْ حَلَفَ عَلَى الْفِعْلِ الْوَاحِدِ مِرَارًا‏.‏

المتن‏:‏

وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ فَلَيْسَ بِيَمِينٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَوْ قَالَ إنْ فَعَلْتُ كَذَا فَأَنَا يَهُودِيٌّ‏)‏ أَوْ نَصْرَانِيٌّ أَوْ مُسْتَحِلُّ الْخَمْرِ ‏(‏أَوْ بَرِيءٌ مِنْ الْإِسْلَامِ‏)‏ وَنَحْوَ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ‏:‏ بَرِيءٌ مِنْ اللَّهِ أَوْ مِنْ رَسُولِهِ أَوْ مِنْ الْكَعْبَةِ ‏(‏فَلَيْسَ بِيَمِينٍ‏)‏ لِخُلُوِّهِ عَنْ ذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَصِفَتِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي الْحِنْثِ بِهِ، وَالْحَلِفُ بِذَلِكَ مَعْصِيَةٌ، وَالتَّلَفُّظُ بِهِ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الْأَذْكَارِ‏.‏ هَذَا إذَا قَصَدَ بِذَلِكَ تَبْعِيدَ نَفْسِهِ عَنْ ذَلِكَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ‏.‏ أَمَّا لَوْ قَالَ ذَلِكَ عَلَى قَصْدِ الرِّضَا بِالتَّهَوُّدِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ إذَا فَعَلَ ذَلِكَ الْفِعْلَ كَفَرَ فِي الْحَالِ، فَإِنْ لَمْ يُعْرَفْ قَصْدُهُ لِمَوْتٍ أَوْ غَيْبَةٍ وَتَعَذَّرَتْ مُرَاجَعَتُهُ، فَفِي الْمُهِمَّاتِ‏:‏ الْقِيَاسُ تَكْفِيرُهُ إذَا عَرِيَ عَنْ الْقَرَائِنِ الْحَامِلَةِ عَلَى غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ بِوَضْعِهِ يَقْتَضِيهِ، وَكَلَامُ الْأَذْكَارِ يَقْتَضِي خِلَافَهُ ا هـ‏.‏

وَالْأَوْجَهُ مَا فِي الْأَذْكَارِ‏.‏ قَالَ فِي زِيَادَةِ الرَّوْضَةِ‏:‏ قَالَ الْأَصْحَابُ‏:‏ وَإِذَا لَمْ نُكَفِّرْهُ اُسْتُحِبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَقُولَ‏:‏ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ا هـ‏.‏

وَلَا يُخَالِفُ ذَلِكَ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ ‏{‏مَنْ حَلَفَ بِاللَّاتِ وَالْعُزَّى، فَلْيَقُلْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ‏}‏ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ، وَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الِاسْتِقْصَاءِ بِوُجُوبِ ذَلِكَ وَتَجِبُ التَّوْبَةُ مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَيُسَنُّ الِاسْتِغْفَارُ مِنْ كُلِّ تَكَلُّمٍ بِكَلَامٍ قَبِيحٍ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا بِلَا قَصْدٍ، لَمْ تَنْعَقِدْ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

وَيُشْتَرَطُ فِي انْعِقَادِ الْيَمِينِ كَوْنُ الْحَالِفِ قَاصِدًا مَعْنَاهَا ‏(‏وَ‏)‏ حِينَئِذٍ ‏(‏مَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى لَفْظِهَا‏)‏ أَيْ الْيَمِينِ ‏(‏بِلَا قَصْدٍ‏)‏ لِمَعْنَاهَا ‏(‏لَمْ تَنْعَقِدْ‏)‏ يَمِينُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ أَيْ قَصَدْتُمْ بِدَلِيلِ الْآيَةِ الْأُخْرَى ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏ وَلَغْوُ الْيَمِينِ كَمَا قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا ‏{‏قَوْلُ الرَّجُلِ‏:‏ لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ‏}‏ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَصَحَّحَ ابْنُ حِبَّانَ رَفْعَهُ كَأَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حَالِ غَضَبٍ أَوْ لَجَاجٍ أَوْ صِلَةِ كَلَامٍ‏.‏ قَالَ ابْنُ الصَّلَاحِ‏:‏ وَالْمُرَادُ بِتَفْسِيرِ لَغْوِ الْيَمِينِ بِلَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ عَلَى الْبَدَلِ لَا عَلَى الْجَمْعِ أَمَّا لَوْ قَالَ‏:‏ لَا وَاَللَّهِ، وَبَلَى وَاَللَّهِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ‏.‏ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ‏:‏ كَانَتْ الْأُولَى لَغْوًا وَالثَّانِيَةُ مُنْعَقِدَةً؛ لِأَنَّهَا اسْتِدْرَاكٌ فَصَارَتْ مَقْصُودَةً، وَلَوْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ فَسَبَقَ لِسَانُهُ إلَى غَيْرِهِ كَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، وَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَافِي مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ مَا إذَا دَخَلَ عَلَى صَاحِبِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَقُومَ لَهُ، فَقَالَ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا تَقُومُ‏.‏ وَهُوَ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى، وَلَوْ ادَّعَى سَبْقَ لِسَانِهِ فِي إيلَاءٍ أَوْ الْحَلِفِ بِطَلَاقٍ أَوْ عِتْقٍ لَمْ يُقْبَلْ ظَاهِرًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ بِهِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ بِلَا قَصْدٍ ‏"‏ بَعْدَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ وَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ ‏"‏‏.‏

المتن‏:‏

وَتَصِحُّ عَلَى مَاضٍ وَمُسْتَقْبَلٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَتَصِحُّ‏)‏ الْيَمِينُ ‏(‏عَلَى مَاضٍ‏)‏ كَوَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ كَذَا أَوْ فَعَلْتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَالُوا‏}‏ ثُمَّ إنْ كَانَ عَامِدًا فَهِيَ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا تَغْمِسُ صَاحِبَهَا فِي الْإِثْمِ أَوْ فِي النَّارِ، وَهِيَ مِنْ الْكَبَائِرِ، وَتَتَعَلَّقُ بِهَا الْكَفَّارَةُ خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمْ الْأَيْمَانَ‏}‏ وَهُوَ يَعُمُّ الْمَاضِيَ وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَتَعَلُّقُ الْإِثْمِ لَا يَمْنَعُ الْكَفَّارَةَ كَمَا أَنَّ الظِّهَارَ مُنْكَرٌ مِنْ الْقَوْلِ وَزُورٌ وَتَتَعَلَّقُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، بَلْ وَفِيهَا التَّعْزِيرُ أَيْضًا كَمَا مَرَّ فِي فَصْلِ التَّعْزِيرِ أَنَّهَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ يُعَزَّرُ كُلُّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ، فَإِنْ جَهِلَ فَفِي الْكَفَّارَةِ خِلَافُ حِنْثِ النَّاسِي، وَحَيْثُ صَدَقَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَالْمُرَادُ بِصِدْقِهِ مُوَافَقَةُ مَا قَصَدَهُ إنْ احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ، وَلَوْ خَالَفَ الظَّاهِرَ إلَّا أَنْ يُحَلِّفَهُ حَاكِمٌ فَتُعْتَبَرُ مُوَافَقَةُ ظَاهِرِ لَفْظِ الْحَاكِمِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَحَلِّهِ ‏(‏وَ‏)‏ عَلَى ‏(‏مُسْتَقْبَلٍ‏)‏ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏{‏وَاَللَّهِ لَأَغْزُوَنَّ قُرَيْشًا‏}‏ وَيُسْتَثْنَى مُمْتَنِعُ الْحِنْثِ لِذَاتِهِ، فَإِنَّ الْيَمِينَ فِيهِ لَا تَنْعَقِدُ كَمَا مَرَّ أَوَّلَ الْبَابِ كَقَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا لَأَمُوتَنَّ أَوْ لَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ بِخِلَافِ مُمْتَنِعِ الْبِرِّ، وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ قَيَّدَ مُمْتَنِعَ الْبِرِّ بِزَمَنٍ كَلَا أَصْعَدُ السَّمَاءَ غَدًا هَلْ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ‏؟‏ حُكْمُهُ حُكْمُ مَا لَوْ حَلَفَ لَيَأْكُلَنَّ هَذَا الرَّغِيفَ غَدًا، وَسَيَأْتِي‏.‏

المتن‏:‏

وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ إلَّا فِي طَاعَةٍ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَهِيَ‏)‏ أَيْ الْيَمِينُ ‏(‏مَكْرُوهَةٌ‏)‏ لِلنَّهْيِ عَنْهَا، بِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ‏}‏ أَيْ لَا تُكْثِرُوا الْحَلِفَ بِاَللَّهِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَعْجَزُ عَنْ الْوَفَاءِ بِهِ‏.‏ قَالَ حَرْمَلَةُ‏:‏ سَمِعْتُ الشَّافِعِيَّ يَقُولُ‏:‏ مَا حَلَفْتُ بِاَللَّهِ صَادِقًا وَلَا كَاذِبًا‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

كَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجُمْلَةِ كَمَا فِي الْمُحَرَّرِ، إذْ مِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كَمَا سَيَأْتِي فِي كَلَامِهِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُبَاحٌ‏.‏ وَمِنْهَا مَا هُوَ مُسْتَحَبٌّ، وَقَدْ تَجِبُ ‏(‏إلَّا فِي طَاعَةٍ‏)‏ مِنْ فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ وَتَرْكِ حَرَامٍ أَوْ مَكْرُوهٍ فَطَاعَةٌ، وَاسْتَثْنَى الرَّافِعِيُّ الْيَمِينَ الْوَاقِعَةَ فِي دَعْوَى إنْ كَانَتْ صِدْقًا فَإِنَّهَا لَا تُكْرَهُ‏.‏ قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ‏:‏ وَكَذَا لَوْ احْتَاجَ إلَيْهَا لِتَوْكِيدِ كَلَامٍ وَتَعْظِيمِ أَمْرٍ، فَالْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَوَاَللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا‏}‏ وَالثَّانِي كَقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا‏}‏ وَضَابِطُهُ الْحَاجَةُ إلَى الْيَمِينِ‏.‏ قَالَ الْإِمَامُ‏:‏ وَلَا تَجِبُ الْيَمِينُ أَصْلًا لَا عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنْكَرَهُ الشَّيْخُ عِزُّ الدِّينِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا فِي دَعْوَاهُ، وَكَانَ الْمُدَّعَى بِهِ مِمَّا لَا يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ كَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ، فَإِنْ عَلِمَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنَّ خَصْمَهُ لَا يَحْلِفُ إذَا نَكَلَ فَيَتَخَيَّرُ، إنْ شَاءَ حَلَفَ، وَإِنْ شَاءَ نَكَلَ، وَإِنْ عَلِمَ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَحْلِفُ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَلِفُ، فَإِنْ كَانَ يُبَاحُ بِالْإِبَاحَةِ وَعَلِمَ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ فَيَتَخَيَّرُ أَيْضًا، وَإِلَّا فَاَلَّذِي أَرَاهُ وُجُوبُ الْحَلِفِ‏.‏ دَفْعًا لِمَفْسَدَةِ كَذِبِ الْخَصْمِ ا هـ‏.‏

وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ‏.‏

المتن‏:‏

فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ عَصَى وَلَزِمَهُ الْحِنْثُ، وَكَفَّارَةٌ

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏فَإِنْ حَلَفَ عَلَى تَرْكِ وَاجِبٍ‏)‏ كَتَرْكِ الصُّبْحِ ‏(‏أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ‏)‏ كَالسَّرِقَةِ ‏(‏عَصَى‏)‏ بِحَلِفِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ، وَاسْتَثْنَى الْبُلْقِينِيُّ مِنْ الصُّورَةِ الْأُولَى مَسْأَلَتَيْنِ‏:‏ الْأُولَى‏:‏ الْوَاجِبُ الَّذِي يُمْكِنُ سُقُوطُهُ كَالْقِصَاصِ بَعْدَ الْحُكْمِ بِهِ، فَإِنَّهُ يُمْكِنُ سُقُوطُهُ بِالْعَفْوِ‏.‏ الثَّانِيَةُ‏:‏ الْوَاجِبُ عَلَى الْكِفَايَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُصَلِّي عَلَى فُلَانٍ الْمَيِّتِ حَيْثُ لَمْ تَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ لَا يَعْصِي بِهَذَا الْحَلِفِ ‏(‏وَلَزِمَهُ‏)‏ عِنْدَ عِصْيَانِهِ ‏(‏الْحِنْثُ وَكَفَّارَةٌ‏)‏ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ عَلَى هَذِهِ الْحَالَةِ مَعْصِيَةٌ لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ‏:‏ ‏{‏مَنْ حَلَفَ يَمِينًا فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ‏}‏‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إنَّمَا يَلْزَمُهُ الْحِنْثُ كَمَا قَالَ الزَّرْكَشِيُّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ سِوَاهُ، وَإِلَّا فَلَا‏:‏ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُنْفِقُ عَلَى زَوْجَتِهِ، فَإِنَّ لَهُ طَرِيقًا سِوَاهُ‏:‏ كَأَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا أَوْ يُقْرِضَهَا ثُمَّ يُبَرِّئَهَا؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ حَاصِلٌ مَعَ بَقَاءِ التَّعْظِيمِ، وَعَكْسُ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لَوْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ وَاجِبٍ أَوْ تَرْكِ حَرَامٍ أَطَاعَ بِالْيَمِينِ، وَعَصَى بِالْحِنْثِ، وَعَلَيْهِ بِهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ تَرْكِ مَنْدُوبٍ، أَوْ فِعْلِ مَكْرُوهٍ سُنَّ حِنْثُهُ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ حَلَفَ عَلَى ‏(‏تَرْكِ مَنْدُوبٍ‏)‏ كَسُنَّةِ الضُّحَى ‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏فِعْلِ مَكْرُوهٍ‏)‏ كَالْتِفَاتِهِ بِوَجْهِهِ فِي الصَّلَاةِ ‏(‏سُنَّ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ‏)‏؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ وَالْإِقَامَةَ عَلَيْهَا مَكْرُوهَانِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ‏}‏ نَزَلَتْ فِي الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، وَقَدْ حَلَفَ أَنْ لَا يَبِرَّ مِسْطَحًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ‏:‏ بَلَى رَبِّ وَبَرَّهُ، وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ حَيْثُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ وَاَللَّهِ لَا أَزِيدُ عَلَى هَذَا وَلَا أَنْقُصُ مِنْهُ بِأَنَّ يَمِينَهُ تَضَمَّنَ طَاعَةً، وَهُوَ امْتِثَالُ الْأَمْرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَبَقَ لِسَانُهُ إلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ لَا أَزِيدُ ‏"‏ فَكَانَ مِنْ لَغْوِ الْيَمِينِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

اُخْتُلِفَ فِيمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَأْكُلُ طَيِّبًا وَلَا يَلْبَسُ نَاعِمًا، فَقِيلَ‏:‏ مَكْرُوهٌ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ‏}‏ وَقِيلَ‏:‏ طَاعَةٌ لِمَا عُرِفَ مِنْ اخْتِيَارِ السَّلَفِ خُشُونَةَ الْعَيْشِ، وَقِيلَ‏:‏ يَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَقُصُورِهِمْ وَفَرَاغِهِمْ لِلْعِبَادَةِ وَاشْتِغَالِهِمْ بِالضَّيِّقِ وَالسَّعَةِ، وَهَذَا كَمَا قَالَ الرَّافِعِيُّ الصَّوَابُ‏.‏

المتن‏:‏

أَوْ تَرْكِ مُبَاحٍ أَوْ فِعْلِهِ فَالْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، وَقِيلَ الْحِنْثُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏أَوْ‏)‏ عَلَى ‏(‏تَرْكِ مُبَاحٍ‏)‏ مُعَيَّنٍ ‏(‏أَوْ فِعْلِهِ‏)‏ كَدُخُولِ دَارٍ وَأَكْلِ طَعَامٍ وَلُبْسِ ثَوْبٍ ‏(‏فَالْأَفْضَلُ‏)‏ لَهُ ‏(‏تَرْكُ الْحِنْثِ‏)‏ بَلْ يُسَنُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا‏}‏ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏‏)‏ الْأَفْضَلُ لَهُ ‏(‏الْحِنْثُ‏)‏ لِيَنْتَفِعَ الْفُقَرَاءُ بِالْكَفَّارَةِ‏.‏ قَالَ الْأَذْرَعِيُّ‏:‏ وَيُشْبِهُ أَنَّ مَحَلَّ الْخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ أَذًى لِلْغَيْرِ، فَإِنْ كَانَ بِأَنْ حَلَفَ لَا يَدْخُلُ دَارَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ أَوْ أَقَارِبِهِ أَوْ صَدِيقٍ يُكْرَهُ ذَلِكَ، فَالْأَفْضَلُ الْحِنْثُ قَطْعًا، وَعَقْدُ الْيَمِينِ عَلَى ذَلِكَ مَكْرُوهٌ بِلَا شَكٍّ، وَكَذَا حُكْمُ الْأَكْلِ وَاللُّبْسِ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

مَنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ مَنْدُوبٍ أَوْ تَرْكِ مَكْرُوهٍ كُرِهَ حِنْثُهُ، وَعَلَيْهِ بِالْحِنْثِ كَفَّارَةٌ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الْيَمِينَ لَا تُغَيِّرُ حَالَ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ عَمَّا كَانَ وُجُوبًا وَتَحْرِيمًا وَنَدْبًا وَكَرَاهَةً وَإِبَاحَةً، لَكِنَّ قَوْلَ الْمَتْنِ فِي الْمُبَاحِ‏:‏ الْأَفْضَلُ تَرْكُ الْحِنْثِ، فِيهِ تَغَيُّرُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلِذَلِكَ رَجَّحَ بَعْضُهُمْ أَنَّ فِيهِ التَّخْيِيرَ بَيْنَ الْحِنْثِ وَعَدَمِهِ فَيَكُونُ جَارِيًا عَلَى الْقَاعِدَةِ‏.‏

المتن‏:‏

وَلَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ قِيلَ‏:‏ وَحَرَامٍ‏.‏ قُلْتُ‏:‏ هَذَا أَصَحُّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَلَهُ‏)‏ أَيْ الْحَالِفِ ‏(‏تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ بِغَيْرِ صَوْمٍ‏)‏ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ أَوْ كِسْوَةٍ ‏(‏عَلَى حِنْثٍ جَائِزٍ‏)‏ وَاجِبٍ أَوْ مَنْدُوبٍ أَوْ مُبَاحٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ ائْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ‏}‏ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وَلِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ وَجَبَ بِسَبَبَيْنِ فَجَازَ تَعْجِيلُهُ بَعْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا كَالزَّكَاةِ قَبْلَ الْحَوْلِ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ لَا يُكَفِّرَ حَتَّى يَحْنَثَ خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ عَلَى حِنْثٍ ‏"‏ عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الْيَمِينِ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ بِلَا خِلَافٍ، وَكَذَا مُقَارَنَتُهَا لِلْيَمِينِ، كَمَا لَوْ وَكَّلَ مَنْ يُعْتِقُ عَنْهَا مَعَ شُرُوعِهِ فِي الْيَمِينِ‏.‏ أَمَّا الصَّوْمُ فَيَمْتَنِعُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ عَلَى الصَّحِيحِ؛ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ بَدَنِيَّةٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَقْدِيمُهَا عَلَى وَقْتِ وُجُوبِهَا بِغَيْرِ حَاجَةٍ كَصَوْمِ رَمَضَانَ، وَاحْتَرَزَ بِغَيْرِ حَاجَةٍ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ‏(‏وَقِيلَ‏:‏ وَ‏)‏ لَهُ تَقْدِيمُهَا عَلَى حِنْثٍ ‏(‏حَرَامٍ‏)‏ كَالْحِنْثِ بِتَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلِ حَرَامٍ ‏(‏قُلْتُ‏:‏ هَذَا‏)‏ الْوَجْهُ ‏(‏أَصَحُّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏)‏ مِنْ مُقَابِلِهِ وَهُوَ الْمَنْعُ الَّذِي، جَرَى عَلَيْهِ فِي الْمُحَرَّرِ، وَعَلَّلَهُ بِأَنْ يَتَطَرَّقَ بِهِ لِارْتِكَابِ مَحْظُورٍ، وَالتَّعْجِيلُ رُخْصَةٌ فَلَا تَلِيقُ بِالْعَاصِي، لِأَنَّ الْحَظْرَ فِي الْفِعْلِ لَيْسَ مِنْ حِنْثِ الْيَمِينِ؛ لِأَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَرَامٌ قَبْلَ الْيَمِينِ وَبَعْدَهَا، فَالتَّكْفِيرُ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ اسْتِبَاحَةٌ‏.‏

تَنْبِيهٌ‏:‏

إذَا قَدَّمَ الْكَفَّارَةَ عَلَى الْحِنْثِ وَلَمْ يَحْنَثْ اسْتَرْجَعَ كَالزَّكَاةِ، قَالَهُ الدَّارِمِيُّ، وَلَوْ قَدَّمَ الْعِتْقَ اُشْتُرِطَ فِي إجْزَائِهِ بَقَاءُ الْعَتِيقِ حَيًّا مُسْلِمًا إلَى الْحِنْثِ، فَلَوْ مَاتَ أَوْ ارْتَدَّ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدًا عَنْ كَفَّارَتِهِ وَمَاتَ قَبْلَ حِنْثِهِ كَأَنْ عَتَقَهُ تَطَوُّعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْبَغَوِيّ فِي فَتَاوِيهِ‏.‏ فُرُوعٌ‏:‏ لَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْت عَبْدِي عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْت أَجْزَأَهُ، وَإِنْ قَالَ إنْ حَلَفْتُ لَمْ يُجْزِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ حَنِثْت غَدًا فَعَبْدِي حُرٌّ عَنْ كَفَّارَتِي، فَإِنْ حَنِثَ غَدًا أُعْتِقَ، وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَعْتَقْتُهُ عَنْ كَفَّارَتِي إنْ حَنِثْتُ فَبَانَ حَانِثًا وَأَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَإِلَّا فَلَا‏.‏ نَعَمْ إنْ حَنِثَ بَعْدَ ذَلِكَ أَجْزَأَهُ عَنْهَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ حَلَفْتُ وَحَنِثْتُ فَبَانَ حَالِفًا لَمْ يُجْزِهِ، قَالَهُ الْبَغَوِيّ لِلشَّكِّ فِي الْحَلِفِ‏.‏

المتن‏:‏

وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ عَلَى الْعَوْدِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ تَقْدِيمُ ‏(‏كَفَّارَةِ ظِهَارٍ‏)‏ بِغَيْرِ صَوْمٍ كَمَا مَرَّ مِنْ عِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ ‏(‏عَلَى الْعَوْدِ‏)‏ فِي الظِّهَارِ؛ لِأَنَّهُ أَحَدُ السَّبَبَيْنِ وَالْكَفَّارَةُ مَنْسُوبَةٌ إلَيْهِ كَمَا أَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْيَمِينِ، وَصَوَّرُوا التَّقْدِيمَ عَلَى الْعَوْدِ بِمَا إذَا ظَاهَرَ مِنْ رَجْعِيَّةٍ ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَهَا، وَبِمَا إذَا طَلَّقَ بَعْدَ الظِّهَارِ رَجْعِيًّا ثُمَّ كَفَّرَ ثُمَّ رَاجَعَ‏.‏ أَمَّا إذَا أَعْتَقَ عَقِبَ الظِّهَارِ عَنْهُ، فَهُوَ تَكْفِيرٌ مَعَ الْعَوْدِ لَا قَبْلَهُ، لِأَنَّ اشْتِغَالَهُ بِالْعِتْقِ عَوْدٌ، وَاحْتَرَزَ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏"‏ عَلَى الْعَوْدِ ‏"‏ عَنْ تَقْدِيمِهَا عَلَى الظِّهَارِ فَلَا يَجُوزُ جَزْمًا‏.‏

المتن‏:‏

وَقَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ ‏(‏قَتْلٍ عَلَى الْمَوْتِ‏)‏ مِنْهُ بَعْدَ حُصُولِ الْجُرْحِ وَتَقْدِيمُ جَزَاءِ الصَّيْدِ قَبْلَ الْمَوْتِ وَبَعْدَ الْجُرْحِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ، وَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْجُرْحِ‏.‏

المتن‏:‏

وَمَنْذُورٍ مَالِيٍّ‏.‏

الشَّرْحُ‏:‏

‏(‏وَ‏)‏ لَهُ أَيْضًا تَقْدِيمُ كَفَّارَةٍ عَلَى ‏(‏مَنْذُورٍ مَالِيٍّ‏)‏ عَلَى الْمُعَلَّقِ عَلَيْهِ كَأَنْ قَالَ‏:‏ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُعْتِقَ رَقَبَةً أَوْ أَتَصَدَّقَ بِكَذَا فَيَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الشِّفَاءِ كَالزَّكَاةِ يَجُوزُ تَقْدِيمُهَا عَلَى الْحَوْلِ، وَمَا صَحَّحَاهُ فِي أَصْلِ الرَّوْضَةِ وَالْمَجْمُوعِ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَالَ‏:‏ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ عِتْقُ رَقَبَةٍ، فَأَعْتَقَ قَبْلَ الشِّفَاءِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ‏.‏ قَالَ الْبُلْقِينِيُّ‏:‏ هُوَ غَيْرُ مُعْتَمَدٍ، وَالْجَارِي عَلَى قَاعِدَةِ الشَّافِعِيِّ فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ وَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ الْمَالِيَّةِ وَزَكَاةِ الْفِطْرِ الْجَوَازُ ا هـ‏.‏

وَخَرَجَ بِالْمَالِيِّ الْبَدَنِيُّ كَالصَّوْمِ، فَلَا يَجُوزُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْمَشْرُوطِ‏.‏

تَتِمَّةٌ‏:‏

لَا يَجُوزُ تَقْدِيمُ كَفَّارَةِ الْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ، أَوْ الْحَجِّ، أَوْ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِ، وَ كَذَا فِدْيَةُ الْحَلْقِ وَاللُّبْسِ وَالطِّيبِ عَلَيْهَا نَعَمْ إنْ جُوِّزَتْ هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لِعُذْرٍ كَمَرَضٍ جَازَ تَقْدِيمُهَا لِوُجُودِ السَّبَبِ‏.‏